فصل: فصل: من لا يرث لحجب غيره له‏,‏ فإنه يحجب وإن لم يرث

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **


مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏والقاتل لا يرث المقتول عمدا كان القتل أو خطأ‏]‏

أجمع أهل العلم على أن قاتل العمد لا يرث من المقتول شيئا‏,‏ إلا ما حكى عن سعيد بن المسيب وابن جبير إنهما ورثاه وهو رأى الخوارج لأن آية الميراث تتناوله بعمومها‏,‏ فيجب العمل بها فيه ولا تعويل على هذا القول لشذوذه وقيام الدليل على خلافه فإن عمر‏,‏ رضي الله عنه أعطى دية ابن قتادة المذحجى لأخيه دون أبيه وكان حذفه بسيفه فقتله واشتهرت هذه القصة بين الصحابة رضي الله عنهم فلم تنكر‏,‏ فكانت إجماعا وقال عمر‏:‏ سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول‏:‏ ‏(‏‏(‏ ليس للقاتل شيء ‏)‏‏)‏ رواه مالك في موطئه والإمام أحمد بإسناده وروى عمرو بن شعيب‏,‏ عن أبيه عن جده عن النبي -صلى الله عليه وسلم- نحوه رواه ابن اللبان بإسناده‏,‏ ورواهما ابن عبد البر في ‏"‏ كتابه ‏"‏ وروى ابن عباس رضي الله عنهما قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏‏(‏ من قتل قتيلا فإنه لا يرثه وإن لم يكن له وارث غيره‏,‏ وإن كان والده أو ولده فليس لقاتل ميراث ‏)‏‏)‏ رواه الإمام أحمد بإسناده ولأن توريث القاتل يفضي إلى تكثير القتل لأن الوارث ربما استعجل موت موروثه‏,‏ ليأخذ ماله كما فعل الإسرائيلى الذي قتل عمه فأنزل الله تعالى فيه قصة البقرة وقيل‏:‏ ما ورث قاتل بعد عاميل‏,‏ وهو اسم القتيل فأما القتل خطأ فذهب كثير من أهل العلم إلى أنه لا يرث أيضا نص عليه أحمد ويروى ذلك عن عمر وعلي‏,‏ وزيد وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس‏,‏ وروى نحوه عن أبي بكر رضي الله عنه وبه قال شريح وعروة وطاوس وجابر بن زيد‏,‏ والنخعي والشعبي والثوري‏,‏ وشريك والحسن بن صالح ووكيع‏,‏ والشافعي ويحيى بن آدم وأصحاب الرأي وورثه قوم من المال دون الدية وروى ذلك عن سعيد بن المسيب وعمرو بن شعيب‏,‏ وعطاء والحسن ومجاهد‏,‏ والزهري ومكحول والأوزاعي‏,‏ وابن أبي ذئب وأبي ثور وابن المنذر‏,‏ وداود وروى نحوه عن على لأن ميراثه ثابت بالكتاب والسنة تخصص قاتل العمد بالإجماع فوجب البقاء على الظاهر فيما سواه ولنا الأحاديث المذكورة‏,‏ ولأن من لا يرث من الدية لا يرث من غيرها كقاتل العمد والمخالف في الدين‏,‏ والعمومات مخصصة بما ذكرناه‏.‏

فصل‏:‏

والقتل المانع من الإرث هو القتل بغير حق وهو المضمون بقود أو دية‏,‏ أو كفارة كالعمد وشبه العمد والخطأ‏,‏ وما جرى مجرى الخطأ كالقتل بالسبب وقتل الصبى والمجنون‏,‏ والنائم وما ليس بمضمون بشيء مما ذكرنا لم يمنع الميراث كالقتل قصاصا أو حدا أو دفعا عن نفسه‏,‏ وقتل العادل الباغي أو من قصد مصلحة موليه بما له فعله من سقى دواء أو ربط جراح‏,‏ فمات ومن أمره إنسان عاقل كبير ببط خراجه أو قطع سلعة منه فتلف بذلك‏,‏ ورثه في ظاهر المذهب قال أحمد‏:‏ إذا قتل العادل الباغي في الحرب يرثه ونقل محمد بن الحكم عن أحمد في أربعة شهدوا على أختهم بالزنا فرجمت‏,‏ فرجموا مع الناس‏:‏ يرثونها هم غير قتلة وعن أحمد رواية أخرى تدل على أن القتل يمنع الميراث بكل حال‏,‏ فإنه قال في رواية ابنيه صالح وعبد الله‏:‏ لا يرث العادل الباغي‏,‏ ولا يرث الباغي العادل وهذا يدل على أن القتل يمنع الميراث بكل حال وهذا ظاهر مذهب الشافعي أخذا بظاهر لفظ الحديث ولأنه قاتل‏,‏ فأشبه الصبى والمجنون والنائم والساقط على إنسان من غير اختيار منه‏,‏ وسائق الدابة وقائدها وراكبها‏,‏ إذا قتلت بيدها أو فيها فإنه يرثه لأنه قتل غير متهم فيه‏,‏ ولا مأثم فيه فأشبه القتل في الحد ولنا على أبي حنيفة وأصحابه عموم الأخبار‏,‏ خصصنا منها القتل الذي لا يضمن ففيما عداه يبقى على مقتضاها ولأنه قتل مضمون فيمنع الميراث كالخطأ ولنا‏,‏ على الشافعي أنه فعل مأذون فيه فلم يمنع الميراث‏,‏ كما لو أطعمه أو سقاه باختياره فأفضى إلى تلفه ولأنه حرم الميراث في محل الوفاق‏,‏ كى لا يفضي إلى إيجاد القتل المحرم وزجرا عن إعدام النفس المعصومة وفي مسألتنا حرمان الميراث يمنع إقامة الحدود الواجبة‏,‏ واستيفاء الحقوق المشروعة ولا يفضي إلى إيجاد قتل محرم فهو ضد ما ثبت في الأصل ولا يصح القياس على قتل الصبي‏,‏ والمجنون لأنه قتل محرم وتفويت نفس معصومة والتوريث يفضي إليه‏,‏ بخلاف مسألتنا إذا ثبت هذا فالمشارك في القتل في الميراث كالمنفرد به لأنه يلزمه من الضمان بحسبه فلو شهد على موروثه مع جماعة ظلما فقتل‏,‏ لم يرثه وإن شهد بحق ورثه لأنه غير مضمون‏.‏

فصل‏:‏

أربعة إخوة قتل أكبرهم الثاني‏,‏ ثم قتل الثالث الأصغر سقط القصاص عن الأكبر لأن ميراث الثاني صار للثالث والأصغر نصفين فلما قتل الثالث الأصغر لم يرثه‏,‏ وورثه الأكبر فرجع إليه نصف دم نفسه وميراث الأصغر جميعه‏,‏ فسقط عنه القصاص لميراثه بعض دم نفسه وله القصاص على الأصغر‏,‏ ويرثه في ظاهر المذهب فإن اقتص منه ورثه ويرث إخوته الثلاثة ولو أن ابنين قتل أحدهما أحد أبويهما‏,‏ وهما زوجان ثم قتل الآخر أباه الآخر سقط القصاص عن القاتل الأول‏,‏ ووجب على القاتل الثاني لأن الأول لما قتل أباه ورث ماله ودمه أخوه وأمه فلما قتل الثاني أمه‏,‏ ورثها قاتل الأب فصار له من دم نفسه ثمنه فسقط القصاص عنه لذلك‏,‏ وله القصاص على الآخر فإن قتله ورثه في ظاهر المذهب وإن جرح أحدهما أباه والآخر أمه‏,‏ وماتا في حال واحدة ولا وارث لهما سواهما فلكل واحد منهما مال الذي لم يقتله‏,‏ ولكل واحد منهما القصاص على صاحبه وكذلك لو قتل كل واحد منهما أحد الأبوين ولم يكونا زوجين فلكل واحد منهما القصاص على أخيه‏,‏ إلا أنه لا يمكن أحدهما الاستيفاء إلا بإبطال حق الآخر فيسقطان وإن عفا أحدهما عن الآخر فللآخر قتل العافي ويرثه في الظاهر وإن بادر أحدهما فقتل أخاه‏,‏ سقط القصاص عنه وورثه في الظاهر عنه ويحتمل ألا يرثه‏,‏ ويجب القصاص عليه بقتله لأن القصاصين لما تساويا وتعذر الجمع بين استيفائهما سقطا‏,‏ فلم يبق لهما حكم فيكون المستوفي منها معتديا باستيفائه فلا يرث أخاه‏,‏ ويجب القصاص عليه بقتله وإن أشكل كيفية موت الأبوين وادعى كل واحد منهما أن قتيله أولهما موتا خرج في توريثهما‏,‏ ما ذكرناه في الغرقى من توريث كل واحد من الميتين من الآخر ثم يرث كل واحد منهما بعض دم نفسه‏,‏ فيسقط القصاص عنهما ومن لا يرى ذلك فالجواب فيها كالتى قبلها ويحتمل أن يسقط القصاص بكل حال للشبهة وأن يكون لكل واحد دية الأخر وماله‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ولا يرث مسلم كافرا‏,‏ ولا كافر مسلما إلا أن يكون معتقا فيأخذ ماله بالولاء‏]‏

أجمع أهل العلم على أن الكافر لا يرث المسلم وقال جمهور الصحابة والفقهاء‏:‏ لا يرث المسلم الكافر يروى هذا عن أبي بكر‏,‏ وعمر وعثمان وعلي‏,‏ وأسامة بن زيد وجابر بن عبد الله رضي الله عنهم وبه قال عمرو بن عثمان وعروة‏,‏ والزهري وعطاء وطاوس‏,‏ والحسن وعمر بن عبد العزيز وعمرو بن دينار‏,‏ والثوري وأبو حنيفة وأصحابه‏,‏ ومالك والشافعي وعامة‏,‏ الفقهاء وعليه العمل وروى عن عمر ومعاذ ومعاوية رضي الله عنهم‏,‏ أنهم ورثوا المسلم من الكافر ولم يورثوا الكافر من المسلم وحكى ذلك عن محمد بن الحنفية وعلى بن الحسين‏,‏ وسعيد بن المسيب ومسروق وعبد الله بن معقل‏,‏ والشعبي والنخعي ويحيى بن يعمر‏,‏ وإسحاق وليس بموثوق به عنهم فإن أحمد قال‏:‏ ليس بين الناس اختلاف في أن المسلم لا يرث الكافر وروى أن يحيى بن يعمر احتج لقوله فقال‏:‏ حدثني أبو الأسود أن معاذا حدثه‏,‏ أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ الإسلام يزيد ولا ينقص ‏)‏‏)‏ ولأننا ننكح نساءهم ولا ينكحون نساءنا فكذلك نرثهم‏,‏ ولا يرثوننا ولنا ما روى أسامة بن زيد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ لا يرث الكافر المسلم ولا المسلم الكافر ‏)‏‏)‏ متفق عليه وروى أبو داود بإسناده‏:‏ عن عمرو بن شعيب‏,‏ عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏‏(‏ لا يتوارث أهل ملتين شتى ‏)‏‏)‏ ولأن الولاية منقطعة بين المسلم والكافر‏,‏ فلم يرثه كما لا يرث الكافر المسلم فأما حديثهم فيحتمل أنه أراد أن الإسلام يزيد بمن يسلم وبما يفتح من البلاد لأهل الإسلام‏,‏ ولا ينقص بمن يرتد لقلة من يرتد وكثرة من يسلم‏,‏ وعلى أن حديثهم مجمل وحديثنا مفسر وحديثهم لم يتفق على صحته‏,‏ وحديثنا متفق عليه فتعين تقديمه والصحيح عن عمر أنه قال‏:‏ لا نرث أهل الملل‏,‏ ولا يرثوننا وقال في عمة الأشعث‏:‏ يرثها أهل دينها فأما المعتق إذا خالف دينه دين معتقه فسنذكره في باب الولاء -إن شاء الله تعالى-‏.‏

فصل‏:‏

فأما الكفار فيتوارثون‏,‏ إذا كان دينهم واحدا لا نعلم بين أهل العلم فيه خلافا وقول النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏‏(‏ لا يرث المسلم الكافر ‏)‏‏)‏ دليل على أن بعضهم يرث بعضا وقوله‏:‏ ‏(‏‏(‏ لا يتوارث أهل ملتين شتى ‏)‏‏)‏ دليل على أن أهل الملة الواحدة يرث بعضهم بعضا وقول النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏‏(‏ وهل ترك لنا عقيل من دار ‏)‏‏)‏ دليل على أن عقيلا ورث أبا طالب دون جعفر‏,‏ وعلى لأنهما كانا مسلمين وكان عقيل على دين أبيه مقيما بمكة‏,‏ فباع رباعه بمكة فلذلك لما قيل للنبى -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ أين تنزل غدا‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ وهل ترك لنا عقيل من رباع ‏)‏‏)‏ وقال عمر في عمة الأشعث بن قيس‏:‏ يرثها أهل دينها فإن اختلفت أديانهم فاختلف عن أحمد‏,‏ فروى عنه أن الكفر كله ملة واحدة يرث بعضهم بعضا رواه عنه حرب‏,‏ واختاره الخلال وبه قال حماد وابن شبرمة وأبو حنيفة‏,‏ والشافعي وداود لأن توريث الآباء من الأبناء والأبناء من الآباء‏,‏ مذكور في كتاب الله تعالى ذكرا عاما فلا يترك إلا فيما استثناه الشرع وما لم يستثنه الشرع يبقى على العموم‏,‏ ولأن قول الله تعالى‏:‏ ‏(‏‏(‏ والذين كفروا بعضهم أولياء بعض ‏)‏‏)‏ عام في جميعهم وروى عن أحمد أن الكفر ملل مختلفة لا يرث بعضهم بعضا اختاره أبو بكر‏,‏ وهو قول كثير من أهل العلم لأن قول النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏‏(‏ لا يتوارث أهل ملتين شتى ‏)‏‏)‏ ينفى توارثهما ويخص عموم الكتاب ولم نسمع عن أحمد تصريحا بذكر أقسام الملل وقال القاضي أبو يعلى‏:‏ الكفر ثلاث ملل‏:‏ اليهودية‏,‏ والنصرانية ودين من عداهم لأن من عداهم يجمعهم أنهم لا كتاب لهم وهذا قول شريح وعطاء‏,‏ وعمر بن عبد العزيز والضحاك والحكم والثوري‏,‏ والليث وشريك ومغيرة الضبي‏,‏ وابن أبي ليلى والحسن بن صالح ووكيع وروى ذلك عن مالك وروى عن النخعي‏,‏ والثوري القولان معا ويحتمل كلام أحمد رضي الله عنه أن يكون الكفر مللا كثيرة فتكون المجوسية ملة‏,‏ وعبادة الأوثان ملة أخرى وعبادة الشمس ملة فلا يرث بعضهم بعضا روى ذلك عن على وبه قال الزهري‏,‏ وربيعة وطائفة من أهل المدينة وأهل البصرة وإسحاق وهو أصح الأقوال -إن شاء الله تعالى- لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏‏(‏ لا يتوارث أهل ملتين شتى ‏)‏‏)‏ ولأن كل فريقين منهم لا موالاة بينهم‏,‏ ولا اتفاق في دين فلم يرث بعضهم بعضا كالمسلمين والكفار والعمومات في التوريث مخصوصة‏,‏ فيخص منها محل النزاع بالخبر والقياس ولأن مخالفينا قطعوا التوارث بين أهل الحرب وأهل دار الإسلام مع اتفاقهم في الملة‏,‏ لانقطاع الموالاة فمع اختلاف الملة أولى وقول من حصر الملة بعدم الكتاب غير صحيح فإن هذا وصف عدمي‏,‏ لا يقتضي حكما ولا جمعا ثم لا بد لهذا الضابط من دليل يدل على اعتباره‏,‏ ثم قد افترق حكمهم فإن المجوس يقرون بالجزية وغيرهم لا يقر بها‏,‏ وهم مختلفون في معبوداتهم ومعتقداتهم وآرائهم‏,‏ يستحل بعضهم دماء بعض ويكفر بعضهم بعضا فكانوا مللا كاليهود والنصارى وقد روى ذلك عن على رضي الله عنه فإن إسماعيل بن أبي خالد‏,‏ روى عن الشعبي عن على عليه السلام أنه جعل الكفر مللا مختلفة ولم يعرف له مخالف في الصحابة فيكون إجماعا‏.‏

فصل‏:‏

وقياس المذهب عندي‏,‏ أن الملة الواحدة يتوارثون وإن اختلفت ديارهم لأن العمومات من النصوص تقتضى توريثهم ولم يرد بتخصيصهم نص‏,‏ ولا إجماع ولا يصح فيهم قياس فيجب العمل بعمومها ومفهوم قوله عليه السلام ‏(‏‏(‏ لا يتوارث أهل ملتين شتى ‏)‏‏)‏ أن أهل الملة الواحدة يتوارثون وضبطه التوريث بالملة والكفر والإسلام‏,‏ دليل على أن الاعتبار به دون غيره ولأن مقتضى التوريث موجود فيجب العمل به‏,‏ ما لم يقم دليل على تحقق المانع وقد نص أحمد في رواية الأثرم في من دخل إلينا بأمان فقتل أنه يبعث بديته إلى ملكهم حتى يدفعها إلى الورثة وقد روى ‏(‏‏(‏ أن عمرو بن أمية كان مع أهل بئر معونة فسلم ورجع إلى المدينة‏,‏ فوجد رجلين في طريقه من الحي الذي قتلوهم وكانا أتيا النبي -صلى الله عليه وسلم- في أمان ولم يعلم عمرو‏,‏ فقتلهما فوداهما النبي -صلى الله عليه وسلم- ‏)‏‏)‏ ولا شك في أنه بعث بديتهما إلى أهلهما وقال القاضي‏:‏ قياس المذهب عندي أنه لا يرث حربى ذميا‏,‏ ولا ذمى حربيا لأن الموالاة بينهما منقطعة فأما المستأمن فيرثه أهل الحرب وأهل دار الإسلام وبهذا قال الشافعي رضي الله عنه وبه قال أبو حنيفة‏,‏ إلا أن المستأمن لا يرثه الذمى لأن دارهما مختلفة قال القاضي‏:‏ ويرث أهل الحرب بعضهم بعضا سواء اتفقت ديارهم أو اختلفت وهذا قول الشافعي رضي الله عنه وقال أبو حنيفة‏:‏ إذا اختلفت ديارهم‏,‏ بحيث كان لكل طائفة ملك ويرى بعضهم قتل بعض لم يتوارثا لأنهم لا موالاة بينهم‏,‏ أشبه أهل دار الحرب فجعلوا اتفاق الدار واختلافها ضابطا للتوريث‏,‏ وعدمه ولا نعلم في هذا كله حجة من كتاب ولا سنة مع مخالفته لعموم النص المقتضى للتوريث ولم يعتبروا الدين في اتفاقه‏,‏ ولا اختلافه مع ورود الخبر فيه وصحة العبرة فيها‏,‏ فإن المسلمين يرث بعضهم بعضا وإن اختلفت الدار بهم فكذلك الكفار ولا يرث المسلم كافرا‏,‏ ولا الكافر مسلما لاختلاف الدين بهم وكذلك لا يرث مختلفا الدين أحدهما من صاحبه شيئا‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏والمرتد لا يرث أحدا إلا أن يرجع قبل قسمة الميراث‏]‏

لا نعلم خلافا بين أهل العلم في أن المرتد لا يرث أحدا وهذا قول‏,‏ مالك والشافعي وأصحاب الرأي ولا نعلم عن غيرهم خلافهم وذلك لأنه لا يرث مسلما‏,‏ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏‏(‏ لا يرث كافر مسلما ‏)‏‏)‏ ولا يرث كافرا لأنه يخالفه في حكم الدين لأنه لا يقر على كفره فلم يثبت له حكم أهل الدين الذي انتقل إليه ولهذا لا تحل ذبيحتهم‏,‏ ولا نكاح نسائهم وإن انتقلوا إلى دين أهل الكتاب ولأن المرتد تزول أملاكه الثابتة له واستقرارها فلأن لا يثبت له ملك أولى ولو ارتد متوارثان‏,‏ فمات أحدهما لم يرثه الآخر فإن المرتد لا يرث ولا يورث وإن رجع المرتد إلى الإسلام قبل قسم الميراث‏,‏ قسم له على ما سنذكره في المسألة التي بعدها -إن شاء الله تعالى-‏.‏

فصل‏:‏

والزنديق كالمرتد فيما ذكرنا والزنديق هو الذي يظهر الإسلام ويستسر بالكفر‏,‏ وهو المنافق كان يسمى في عصر النبي -صلى الله عليه وسلم- منافقا ويسمى اليوم زنديقا قال أحمد‏:‏ مال الزنديق في بيت المال‏.‏

فصل‏:‏

إذا ارتد أحد الزوجين قبل الدخول‏,‏ انفسخ النكاح في الحال ولم يرث أحدهما الآخر وإن كانت ردته بعد الدخول‏,‏ ففيه روايتان إحداهما يتعجل الفرقة والأخرى يقف على انقضاء العدة وأيهما مات لم يرثه الآخر وحكم ردتهما جميعا كحكم ردة أحدهما في فسخ النكاح‏,‏ وامتناع الميراث وقال أهل العراق‏:‏ إذا ارتد الزوجان معا فهما على النكاح لأن دينهما لم يختلف فأشبها الكافرين الأصليين‏,‏ إلا أنهما لا يتوارثان في دار الإسلام لأن المرتد لا يرث المرتد ما داما في دار الإسلام فإن لحقا بدار الحرب توارثا لأن حكمهما صار كحكم أهل دار الحرب ولنا أنهما لا يتوارثان في دار الحرب كالمسلم مع الكافر‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏وكذلك من أسلم على ميراث قبل أن يقسم‏,‏ قسم له‏]‏

اختلفت الرواية في من أسلم قبل قسم ميراث موروثه المسلم فنقل الأثرم ومحمد بن الحكم أنه يرث وروى نحو هذا عن عمر‏,‏ وعثمان والحسن بن على وابن مسعود وبه قال جابر بن زيد‏,‏ والحسن ومكحول وقتادة‏,‏ وحميد وإياس بن معاوية وإسحاق‏,‏ فعلى هذا إن أسلم قبل قسم بعض المال ورث مما بقي وبه قال الحسن ونقل أبو طالب في من أسلم بعد الموت‏:‏ لا يرث قد وجبت المواريث لأهلها وهذا المشهور عن على رضي الله عنه وبه قال سعيد بن المسيب‏,‏ وعطاء وطاوس والزهري‏,‏ وسليمان بن يسار والنخعي والحكم‏,‏ وأبو الزناد وأبو حنيفة ومالك‏,‏ والشافعي رضي الله عنهم وعامة الفقهاء لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏‏(‏ لا يرث الكافر المسلم ‏)‏‏)‏ ولأن الملك قد انتقل بالموت إلى المسلمين فلم يشاركهم من أسلم كما لو اقتسموا‏,‏ ولأن المانع من الإرث متحقق حال وجود الموت فلم يرث كما لو كان رقيقا فأعتق‏,‏ أو كما لو بقي على كفره ولنا قول النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏‏(‏ من أسلم على شيء فهو له ‏)‏‏)‏ رواه سعيد من طريقين عن عروة وابن أبي مليكة‏,‏ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وروى أبو داود بإسناده‏:‏ عن ابن عباس قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏‏(‏ كل قسم قسم في الجاهلية فهو على ما قسم‏,‏ وكل قسم أدركه الإسلام فهو على قسم الإسلام ‏)‏‏)‏ وروى ابن عبد البر بإسناده في ‏"‏ التمهيد ‏"‏ عن زيد بن قتادة العنبري‏,‏ أن إنسانا من أهله مات على غير دين الإسلام فورثته أختى دوني وكانت على دينه‏,‏ ثم إن جدى أسلم وشهد مع النبي -صلى الله عليه وسلم- حنينا فتوفي‏,‏ فلبثت سنة وكان ترك ميراثا‏,‏ ثم إن أختى أسلمت فخاصمتني في الميراث إلى عثمان رضي الله عنه فحدثه عبد الله بن أرقم أن عمر قضى أنه من أسلم على ميراث قبل أن يقسم‏,‏ فله نصيبه فقضى به عثمان فذهبت بذاك الأول‏,‏ وشاركتني في هذا وهذه قضية انتشرت فلم تنكر فكانت إجماعا ولأنه لو تجدد له صيد بعد موته وقع في شبكته التي نصبها في حياته لثبت له الملك فيه‏,‏ ولو وقع إنسان في بئر حفرها لتعلق ضمانه بتركته بعد موته فجاز أن يتجدد حق من أسلم من ورثته بتركته‏,‏ ترغيبا في الإسلام وحثا عليه فأما إذا قسمت التركة‏,‏ وتعين حق كل وارث ثم أسلم فلا شيء له‏,‏ وإن كان الوارث واحدا فإذا تصرف في التركة واحتازها كان بمنزلة قسمتها‏.‏

فصل‏:‏

ومن كان رقيقا حين موت موروثه‏,‏ فأعتق قبل القسمة لم يرث نص عليه أحمد رضي الله عنه في رواية محمد بن الحكم وفرق بين الإسلام والعتق‏,‏ وعلى هذا جمهور الفقهاء من الصحابة ومن بعدهم وروى عن ابن مسعود أنه سئل عن رجل مات وترك أباه عبدا‏,‏ فأعتق قبل أن يقسم ميراثه فقال‏:‏ له ميراثه وحكى عن مكحول وقتادة‏,‏ أنهما ورثا من أعتق قبل القسمة لأن المانع من الميراث زال قبل القسمة فأشبه ما لو أسلم قال أبو الحسن التميمي‏:‏ يخرج على قول من ورث المسلم أن يورث العبد إذا أعتق وليس بصحيح فإن الإسلام قربة وهو أعظم الطاعات‏,‏ والقرب ورد الشرع بالتأليف عليها فورد الشرع بتوريثه ترغيبا له في الإسلام‏,‏ وحثا عليه والعتق لا صنع له فيه ولا يحمد عليه‏,‏ فلم يصح قياسه عليه ولولا ما ورد من الأثر من توريث من أسلم لكان النظر يقتضي أن لا يرث من لم يكن من أهل الميراث حين الموت لأن الملك ينتقل به إلى الورثة‏,‏ فيستحقونه فلا يبقى لمن حدث شيء ولكن خالفناه في الإسلام للأثر‏,‏ وليس في العتق أثر يجب التسليم له ولا هو في معنى ما فيه الأثر فيبقى على موجب القياس‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ومتى قتل المرتد على ردته‏,‏ فماله فيء‏]‏

اختلفت الرواية عن أحمد في مال المرتد إذا مات أو قتل على ردته فروى عنه أنه يكون فيئا في بيت مال المسلمين قال القاضي‏:‏ هو صحيح في المذهب وهو قول ابن عباس‏,‏ وربيعة ومالك وابن أبي ليلى‏,‏ والشافعي رضي الله عنهم وأبي ثور وابن المنذر وعن أحمد ما يدل على أنه لورثته من المسلمين وروى ذلك عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه وعلى وابن مسعود رضي الله عنهم وبه قال ابن المسيب‏,‏ وجابر بن زيد والحسن وعمر بن عبد العزيز‏,‏ وعطاء والشعبي والحكم‏,‏ والأوزاعي والثوري وابن شبرمة‏,‏ وأهل العراق وإسحاق إلا أن الثوري وأبا حنيفة واللؤلؤي‏,‏ وإسحاق قالوا‏:‏ ما اكتسبه في ردته يكون فيئا ولم يفرق أصحابنا بين تلاد ماله وطارفه ووجه هذا القول أنه قول الخليفتين الراشدين فإنه يروى عن زيد بن ثابت‏,‏ قال‏:‏ بعثني أبو بكر عند رجوعه إلى أهل الردة أن أقسم أموالهم بين ورثتهم المسلمين ولأن ردته ينتقل بها ماله فوجب أن ينتقل إلى ورثته المسلمين كما لو انتقل بالموت وروى عن أحمد‏,‏ رواية أن ماله لأهل دينه الذي اختاره إن كان منه من يرثه‏,‏ وإلا فهو فيء وبه قال داود وروى عن علقمة وسعيد بن أبي عروة لأنه كافر فورثه أهل دينه‏,‏ كالحربى وسائر الكفار والمشهور الأول لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏‏(‏ لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم ‏)‏‏)‏ وقوله‏:‏ ‏(‏‏(‏ لا يتوارث أهل ملتين شتى ‏)‏‏)‏ ولأنه كافر‏,‏ فلا يرثه المسلم كالكافر الأصلى ولأن ماله مال مرتد‏,‏ فأشبه الذي كسبه في ردته ولا يمكن جعله لأهل دينه لأنه لا يرثهم فلا يرثونه‏,‏ كغيرهم من أهل الأديان ولأنه يخالفهم في حكمهم فإنه لا يقر على ما انتقل إليه ولا توكل له ذبيحة‏,‏ ولا يحل نكاحه إن كان امرأة فأشبه الحربى مع الذمى فإن قيل‏:‏ إذا جعلتموه فيئا فقد ورثتموه للمسلمين قلنا‏:‏ لا يأخذونه ميراثا بل يأخذونه فيئا‏,‏ كما يؤخذ مال الذمى إذا لم يخلف وارثا وكالعشور‏.‏

فصل‏:‏

والزنديق كالمرتد لا يرث ولا يورث وقال مالك في الزنديق الذي يتهم بذمى ورثته عند موته‏:‏ ماله لورثته من المسلمين‏,‏ مثل من يرتد إذا حضره الموت قال‏:‏ وترثه زوجته سواء انقضت عدتها أو لم تنقض‏,‏ كالتى يطلقها زوجها في مرض موته ليحرمها الميراث لأنه فار من ميراث من انعقد سبب ميراثه فورثه كالمطلقة في مرض الموت ولنا قول النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏‏(‏ لا يرث المسلم الكافر ‏)‏‏)‏ وقياس المذهب أن أحد الزوجين إذا ارتد في مرض موته‏,‏ يرثه الآخر لأنه فعل ما يفسخ النكاح في مرض موته فأشبه الطلاق وفعل المرأة ما يفسخ نكاحها‏,‏ ويخرج في ميراث سائر الورثة مثل الزوجين فيكون مثل مذهب مالك وقال أبو يوسف‏:‏ إذا ارتدت المريضة فماتت في عدتها‏,‏ أو لحقت بدار الحرب ورثها زوجها وروى اللؤلؤى عن أبي حنيفة‏:‏ إذا ارتد الرجل‏,‏ فقتل على ردته أو لحق بدار الحرب بانت منه امرأته‏,‏ فإن كانت مدخولا بها ورثته إذا كان ذلك قبل انقضاء عدتها‏,‏ وإن كانت غير مدخول بها بانت ولم ترثه وإن ارتدت المرأة من غير مرض فماتت‏,‏ لم يرثها زوجها لأنها عندهم لا تقتل فلم تكن فارة من ميراثه بخلاف الرجل‏.‏

فصل‏:‏

وارتداد الزوجين معا‏,‏ كارتداد أحدهما في فسخ نكاحهما وعدم ميراث أحدهما من الآخر سواء لحقا بدار الحرب‏,‏ أو أقاما بدار الإسلام وبهذا قال مالك والشافعي وقال أبو حنيفة‏:‏ إذا ما ارتدا معا لم ينفسخ النكاح‏,‏ ولم يتوارثا لأن المرتد لا يرث المرتد ما داما في دار الإسلام فإن لحقا بدار الحرب توارثا ولنا أنهما مرتدان فلم يتوارثا‏,‏ كما لو كانا في دار الإسلام ولو ارتدا جميعا ولهما أولاد صغار لم يتبعوهم في ردتهم‏,‏ ولم يرثوا منهم شيئا ولم يجز استرقاقهم سواء لحقوهم بدار الحرب‏,‏ أو لم يلحقوهم وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة وأصحابه‏:‏ من ألحقوه بدار الحرب منهم يصير مرتدا يجوز سبيه‏,‏ ومن لم يلحقوه بدار الحرب فهو في حكم الإسلام فأما من ولد بعد الردة بستة أشهر فذكر الخرقي رضي الله عنه ما يدل على أنه يجوز استرقاقه وهو قول أبي حنيفة‏,‏ وأحد قولي الشافعي والقول الثاني‏:‏ لا يسبون وهو منصوص الشافعي‏.‏

فصل‏:‏

فإذا لحق المرتد بدار الحرب وقف ماله فإن أسلم دفع إليه‏,‏ وإن مات صار فيئا وبهذا قال مالك والشافعي رضي الله عنهما وجعل أهل العراق لحاقه بدار الحرب كموته في زوال ملكه‏,‏ وصرف ماله إلى من يصرف إليه إذا مات فإن عاد إلى الإسلام فله ما وجد من ماله‏,‏ ولا يرجع على ورثته بشيء مما أتلفوه إلا أن يكونوا اقتسموه بغير حكم حاكم ولم يختلفوا فيما اكتسبه في دار الحرب أو أخرجه من ماله إلى دار الحرب أنه فيء وقال أبو بكر عبد العزيز‏:‏ إذا ارتد المسلم‏,‏ زال ملكه عن ماله ولم يصح تصرفه فيه بشيء من التصرفات فإن أسلم رد إليه تمليكا مستأنفا وقال أبو يوسف‏:‏ إنما أحكم بموته يوم يختصمون في ماله‏,‏ لا يوم لحاقه بدار الحرب ولنا أنه حر من أهل التصرف ويبقى ملكه بعد إسلامه‏,‏ فلم يحكم بزوال ملكه كما لو لم يرتد ويجب رد ما أخذ من ماله‏,‏ أو أتلف عليه كغيره‏.‏

فصل‏:‏

ومتى مات الذمى ولا وارث له‏,‏ كان ماله فيئا وكذلك ما فضل من ماله عن وارثه كمن ليس له وارث إلا أحد الزوجين‏,‏ فإن الفاضل عن ميراثه يكون فيئا لأنه مال ليس له مستحق معين فكان فيئا كمال الميت المسلم الذي لا وارث له‏.‏

فصل‏:‏

فأما القرابة فيرثون بجميعها‏,‏ إذا أمكن ذلك نص عليه أحمد وهو قول عمر وعلى وابن مسعود‏,‏ وابن عباس وزيد في الصحيح عنه وبه قال النخعي والثوري‏,‏ وقتادة وابن أبي ليلى وأبو حنيفة‏,‏ وأصحابه ويحيى بن آدم وإسحاق‏,‏ وداود والشافعي رضي الله عنهم في أحد قوليه واختاره ابن اللبان وعن زيد‏,‏ أنه ورثه بأقوى القرابتين وهي التي لا تسقط بحال وبه قال الحسن والزهري‏,‏ والأوزاعي ومالك والليث‏,‏ وحماد وهو الصحيح عن الشافعي وعن عمر بن عبد العزيز ومكحول‏,‏ والشعبي القولان جميعا واحتجوا بأنهما قرابتان‏,‏ لا يورث بهما في الإسلام فلا يورث بهما في غيره كما لو أسقطت إحداهما الأخرى ولنا‏,‏ أن الله تعالى فرض للأم الثلث وللأخت النصف فإذا كانت الأم أختا‏,‏ وجب إعطاؤها ما فرض الله لها في الآيتين كالشخصين ولأنهما قرابتان ترث بكل واحدة منهما منفردة‏,‏ لا تحجب إحداهما الأخرى ولا ترجح بها فترث بهما‏,‏ مجتمعين كزوج هو ابن عم أو ابن عم هو أخ من أم‏,‏ وكذوى الأرحام المدلين بقرابتين وقياسهم فاسد لأن القرابتين في الأصل تسقط إحداهما الأخرى إذا كانتا في شخصين فكذلك إذا كانتا في شخص وقولهم‏:‏ لا يورث بهما في الإسلام ممنوع فإنه إذا وجد ذلك من وطء شبهة في الإسلام ورث بهما‏,‏ ثم إن امتناع الإرث بهما في الإسلام لعدم وجودهما ولو تصور وجودهما لورث بهما بدليل أنه قد ورث بنظيرهما في ابن عم هو زوج‏,‏ أو أخ من أم قال ابن اللبان‏:‏ واعتبارهم عندي فاسد من قبل أن الجدة تكون أختا لأب فإن ورثوها بكونها جدة‏,‏ لكون الابن يسقط الأخت دونها لزمهم توريثها بكونها أختا‏,‏ لكون الأم تسقط الجدة دونها وخالفوا نص الكتاب في فرض الأخت وورثوا الجدة التي لا نص للكتاب في فرضها وهو مختلف فيه‏,‏ فمنهم من قال‏:‏ هو طعمة وليس بفرض مستحق ويلزمهم أن الميت إذا خلف أمه وأم أم هي أخت‏,‏ أن لا يورثوها شيئا لأن الجدودة محجوبة وهي أقوى القرابتين وإن قالوا‏:‏ نورثها مع الأم بكونها أختا نقضوا اعتبارهم بكونها أقوى القرابتين وجعلوا الأخوة تارة أقوى‏,‏ وتارة أضعف وإن قالوا‏:‏ أقوى القرابتين الأخوة لأن ميراثها أوفر لزمهم في أم هي أخت جعل الأخوة أقوى من جهة الأمومة ويلزمهم في إسقاط ميراثها مع الابن والأخ من الأبوين ما لزم القائلين بتقديم الجدودة مع الأم فإن قالوا‏:‏ توريثها بالقرابتين يفضي إلى حجب الأم بنفسها إذا كانت أختا‏,‏ وللميت أخت أخرى قلنا‏:‏ وما المانع من هذا‏؟‏ فإن الله تعالى حجب الأم بالأختين بقوله‏:‏ ‏(‏‏(‏ فإن كان له إخوة فلأمه السدس ‏)‏‏)‏ من غير تقييد بغيرها ثم هم قد حجبوها عن ميراث الأخت بنفسها فقد دخلوا فيما أنكروه بل هو أعظم لأنهم فروا من حجب التنقيص إلى حجب الإسقاط‏,‏ وأسقطوا الفرض الذي هو أوفر بالكلية محافظة على بعض الفرض الأدنى وخالفوا مدلول أربعة نصوص من كتاب الله تعالى لأنهم أعطوا الأم الثلث وإنما فرض الله لها مع الأختين السدس والثاني أن الله تعالى إنما فرض لكل واحدة من الأختين ثلثا‏,‏ فأعطوا إحداهما النصف كاملا والثالث أن الله تعالى فرض للأختين الثلثين وهاتان أختان‏,‏ فلم يجعلوا لهما الثلثين الرابع أن مقتضى الآية أن يكون لكل واحدة من الأختين الثلث وهذه أخت‏,‏ فلم يعطوها بكونها أختا شيئا وهذا كله معنى كلام ابن اللبان‏.‏

فصل‏:‏

والمسائل التي تجتمع فيها قرابتان يصح الإرث بهما ست إحداهن في الذكور وهي عم هو أخ لأم‏,‏ وخمس في الإناث وهي بنت هي أخت أو بنت ابن‏,‏ وأم هي أخت وأم أم هي أخت لأب وأم أب هي أخت لأم‏,‏ فمن ورثهم بأقوى القرابتين ورثهم بالبنوة والأمومة دون الأخوة‏,‏ وبنوة الابن واختلفوا في الجدة إذا كانت أختا فمنهم من قال‏:‏ الجدودة أقوى لأنها جهة ولادة لا تسقط بالولد ومنهم من قال‏:‏ الأخوة أقوى لأنها أكثر ميراثا قال ابن سريج وغيره‏:‏ هو الصحيح ومن ورث بأقوى القرابتين لم يحجب الأم بأخوة نفسها إلا ما حكاه سحنون عن مالك‏,‏ أنه حجبها بذلك والصحيح عنه الأول ومن ورث بالقرابتين حجبها بذلك ومتى كانت البنت أختا والميت رجل فهي أخت لأم‏,‏ وإن كان امرأة فهي أخت لأب وإن قيل‏:‏ أم هي أخت لأم أو أم أم هي أخت لأم أو أم أب هي أخت لأب فهو محال مسائل من ذلك‏:‏ مجوسى تزوج ابنته‏,‏ فأولدها بنتا ثم مات عنهما فلهما الثلثان لأنهما ابنتان‏,‏ ولا ترث الكبرى بالزوجية شيئا في قولهم جميعا فإن ماتت الكبرى بعده فقد تركت بنتا هي أخت لأب‏,‏ فلها النصف بالبنوة والباقي بالأخوة وإن ماتت الصغرى قبل الكبرى‏,‏ فقد تركت أما هي أخت لأب فلها النصف‏,‏ والثلث بالقرابتين ومن ورث بأقوى القرابتين لم يورثها بالأخوة شيئا في المسألتين وقال ابن سريج‏:‏ يحتمل قول الشافعي رضي الله عنه توريثها بالقرابتين في المسألتين لأنه لم يمنع توريث الشخص بفرض وتعصيب لتوريثه ابن العم إذا كان زوجا‏,‏ أو أخا لأم وإنما منع الإرث بفرضين فإن كان المجوسي أولدها بنتين ثم مات وماتت الكبرى بعده‏,‏ فقد تركت بنتين هما أختان لأب وإن لم تمت الكبرى‏,‏ بل ماتت إحدى الصغيرتين فقد تركت أختا لأبوين وأما هي أخت لأب فلأمها السدس بكونها أما‏,‏ والسدس بكونها أختا لأب وانحجبت بنفسها وأختها عن السدس وللأخت النصف وعلى القول الآخر‏,‏ لها الثلث بالأمومة ولا شيء لها بالأخوة ولا تنحجب بها‏,‏ وللأخت النصف فقد استوى الحكم في القولين وإن اختلف طريقهما وعلى ما حكاه سحنون‏,‏ لها السدس وتنحجب بنفسها وأختها وإن أولدها المجوسي ابنا وبنتا‏,‏ ثم مات وماتت الصغرى بعده فقد خلفت أما هي أخت لأب‏,‏ وأخا لأم وأب فلأمها السدس والباقي للأخ‏,‏ ولا شيء للأم بالأخوة لأن الأخ للأبوين يحجبها وعلى القول الآخر للأم الثلث كاملا وإن تزوج المجوسي أمه فأولدها بنتا ثم مات فلأمه السدس‏,‏ ولابنته النصف ولا ترث أمه بالزوجية شيئا ولا ابنته بكونها أختا لأم شيئا وإن ماتت الكبرى بعده‏,‏ فقد خلفت بنتا هي بنت ابن فلها الثلثان بالقرابتين وعلى القول الآخر لها النصف وإن ماتت الصغرى بعده فقد تركت أما هي أم أب‏,‏ فلها الثلث بالأمومة لا غير على القولين جميعا وإن تزوج ابنته فأولدها ابنة‏,‏ ثم تزوج الصغرى فأولدها بنتا ثم مات‏,‏ وماتت الكبرى بعده فقد تركت أختيها لأبيها إحداهما بنتها وبنت أبيها‏,‏ والأخرى بنت بنتها فلبنتها النصف والباقي بينهما وعلى القول الآخر‏,‏ لبنتها النصف والباقي للصغرى وإن ماتت الوسطى بعده فقد تركت أختيها إحداهما أمها‏,‏ والأخرى بنتها فلأمها السدس ولبنتها النصف والباقي بينهما وعلى القول الآخر‏,‏ الباقي للعصبة وإن ماتت الصغرى بعده فقد خلفت أختيها إحداهما أمها والأخرى جدتها فلأمها السدس‏,‏ والباقي بينهما وقد انحجبت الأم بنفسها وبأمها عن السدس وعلى القول الآخر من جعل الأخوة أقوى‏,‏ فللكبرى النصف وللوسطى الثلث والباقي للعصبة ومن جعل الجدودة أقوى‏,‏ لم يورث الكبرى شيئا لأنها لا ترث بالأخوة لكونها ضعيفة ولا بالجدودة‏,‏ لكونها محجوبة بالأمومة وإن ماتت الصغرى بعد الوسطى فقد خلفت جدة هي أخت لأب فلها الثلث بالقرابتين‏,‏ ومن ورث بإحداهما فلها السدس عند قوم وعند ابن سريج ومن وافقه لها النصف وهو اختيار الخبرى مجوسى تزوج أمه‏,‏ فأولدها بنتا ثم تزوج بنته فأولدها ابنا‏,‏ ثم تزوج الابن جدته فأولدها بنتا ثم مات المجوسي‏,‏ ثم ماتت أمه فقد خلفت بنتا هي بنت ابن وبنتا أخرى هي بنت ابن ابن‏,‏ وخلفت ابن ابن هو زوجها فلابنتها الثلثان والباقي بين الكبرى وابنها على ثلاثة وتصح من تسعة للكبرى أربعة‏,‏ وللصغرى ثلاثة وللذكر سهمان وعلى القول الآخر الباقي للذكر وحده فإن ماتت بعده بنته‏,‏ فإن الكبرى جدتها أم أبيها وهي أختها من أمها فلها السدسان بالقرابتين‏,‏ وفي الثاني لها السدس بإحداهما‏.‏

فصل‏:‏

وإن وطئ مسلم بعض محارمه بشبهة أو اشتراها وهو لا يعرفها فوطئها فولدت له‏,‏ واتفق مثل هذه لإنسان فالحكم فيها مثل هذا سواء‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏وإذا غرق المتوارثان أو ماتا تحت هدم‏,‏ فجهل أولهما موتا ورث بعضهم من بعض‏]‏

وجملة ذلك أن المتوارثين إذا ماتا فجهل أولهما موتا‏,‏ فإن أحمد قال‏:‏ أذهب إلى قول عمر وعلى وشريح‏,‏ وإبراهيم والشعبي‏:‏ يرث بعضهم من بعض يعني من تلاد ماله دون طارفه وهو ما ورثه من ميت معه وهذا قول من ذكره الإمام أحمد‏,‏ وهو قول إياس بن عبد الله المزني وعطاء والحسن‏,‏ وحميد الأعرج وعبد الله بن عتبة وابن أبي ليلى‏,‏ والحسن بن صالح وشريك ويحيى بن آدم‏,‏ وإسحاق وحكى ذلك عن ابن مسعود قال الشعبي‏:‏ وقع الطاعون عام عمواس فجعل أهل البيت يموتون عن آخرهم‏,‏ فكتب في ذلك إلى عمر رضي الله عنه فكتب عمر‏:‏ أن ورثوا بعضهم من بعض وروى عن أبي بكر الصديق وزيد‏,‏ وابن عباس ومعاذ والحسن بن على رضي الله عنهم‏,‏ أنهم لم يورثوا بعضهم من بعض وجعلوا ما لكل واحد للأحياء من ورثته وبه قال عمر بن عبد العزيز وأبو الزناد‏,‏ والزهري والأوزاعي ومالك والشافعي رضي الله عنهم وأبو حنيفة‏,‏ وأصحابه ويروى ذلك عن عمر والحسن البصري‏,‏ وراشد بن سعد وحكيم بن عمير وعبد الرحمن بن عوف وروى عن أحمد ما يدل عليه‏,‏ فإنه قال في امرأة وابنها ماتا فقال زوجها‏:‏ ماتت فورثناها ثم مات ابني فورثته وقال أخوها‏:‏ مات ابنها فورثته‏,‏ ثم ماتت فورثناها حلف كل واحد منهما على إبطال دعوى صاحبه وكان ميراث الابن لأبيه وميراث المرأة لأخيها وزوجها نصفين فجعل ميراث كل واحد منهما للأحياء من ورثته فيحتمل أن يجعل هذا رواية عن أحمد في جميع مسائل الباب‏,‏ ويحتمل أن يكون هذا قولا فيما إذا ادعى وارث كل ميت أن موروثه كان آخرهما موتا ويرث كل واحد منهما من الآخر إذا اتفق وراثهم على الجهل بكيفية موتهم لأن مع التداعى تتوجه اليمين‏,‏ على المدعى عليه فيحلف على إبطال دعوى صاحبه ويتوفر الميراث له كما في سائر الحقوق‏,‏ بخلاف ما إذا اتفقوا على الجهل فلا تتوجه يمين لأن اليمين لا يشرع في موضع اتفقوا على الجهل به واحتج من قال بعدم توريث بعضهم من بعض بما روى سعيد‏,‏ حدثنا إسماعيل بن عياش عن يحيى بن سعيد‏:‏ أن قتلى اليمامة وقتلى صفين والحرة‏,‏ لم يورثوا بعضهم من بعض وورثوا عصبتهم الأحياء وقال‏:‏ حدثنا عبد العزيز بن محمد عن جعفر بن محمد‏,‏ عن أبيه‏:‏ أن أم كلثوم بنت على توفيت هي وابنها زيد بن عمر فالتقت الصيحتان في الطريق فلم يدر أيهما مات قبل صاحبه‏,‏ فلم ترثه ولم يرثها وأن أهل صفين وأهل الحرة لم يتوارثوا ولأن شرط التوريث حياة الوارث بعد موت الموروث وهو غير معلوم‏,‏ ولا يثبت التوريث مع الشك في شرطه ولأنه لم تعلم حياته حين موت موروثه فلم يرثه‏,‏ كالحمل إذا وضعته ميتا ولأن الأصل عدم التوريث فلا نثبته بالشك ولأن توريث كل واحد منهما خطأ يقينا لأنه لا يخلو من أن يكون موتهما معا‏,‏ أو سبق أحدهما به وتوريث السابق بالموت والميت معه خطأ يقينا مخالف للإجماع‏,‏ فكيف يعمل به فإن قيل‏:‏ ففي قطع التوريث قطع توريث المسبوق بالموت وهو خطأ أيضا قلنا‏:‏ هذا غير متيقن لأنه يحتمل موتهما جميعا‏,‏ فلا يكون فيهما مسبوق وقد احتج بعض أصحابنا بما روى إياس بن عبد الله المزني أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ‏(‏‏(‏ سئل عن قوم وقع عليهم بيت فقال‏:‏ يرث بعضهم بعضا ‏)‏‏)‏ والصحيح أن هذا إنما هو عن إياس نفسه وأنه هو المسئول‏,‏ وليس براوية عن النبي -صلى الله عليه وسلم- هكذا رواه سعيد في ‏"‏ سننه ‏"‏ وحكاه الإمام أحمد عنه وقال أبو ثور وابن سريج وطائفة من البصريين‏:‏ يعطى كل وارث اليقين‏,‏ ويوقف المشكوك فيه حتى يتبين الأمر أو يصطلحوا وقال الخبرى‏:‏ هذا هو الحكم فيما إذا علم موت أحدهما قبل صاحبه ولم يذكر فيه خلافا ومن مسائل ذلك أخوان غرقا‏,‏ أحدهما مولى زيد والآخر مولى عمرو من ورث كل واحد منهما من صاحبه جعل ميراث كل واحد منهما لمولى أخيه‏,‏ ومن لم يورث أحدهما من صاحبه جعل ميراث كل واحد منهما لمولاه ومن قال بالوقف وقف مالهما فإن ادعى كل واحد من الموليين أن مولاه آخرهما موتا‏,‏ حلف كل واحد منهما على إبطال دعوى صاحبه وأخذ مال مولاه على مسألة الخرقي وإن كانت لهما أخت فلها الثلثان من مال كل واحد منهما على القول الأول‏,‏ والنصف على القول الثاني وإن خلف كل واحد منهما بنتا وزوجة فمن لم يورث بعضهم من بعض صححها من ثمانية‏,‏ لامرأته الثمن ولابنته النصف والباقي لمولاه ومن ورثهم‏,‏ جعل الباقي لأخيه ثم قسمه بين ورثة أخيه على ثمانية ثم ضربها في الثمانية الأولى‏,‏ فصحت من أربعة وستين لامرأته ثمانية ولابنته اثنان وثلاثون ولامرأة أخيه ثمن الباقي‏,‏ ولابنته اثنا عشر ولمولاه الباقي تسعة أخ وأخت غرقا ولهما أم وعم وزوجان فمن ورث كل واحد من صاحبه‏,‏ جعل ميراث الأخ بين امرأته وأمه وأخته على ثلاثة عشر فما أصاب الأخت منها فهو بين زوجها وأمها وعمها على ستة فصحت المسألتان من ثلاثة عشر لامرأة الأخ ثلاثة‏,‏ ولزوج الأخت ثلاثة وللأم أربعة بميراثها من الأخ واثنان بميراثها من الأخت‏,‏ وللعم سهم وميراث الأخت بين زوجها وأمها وأخيها على ستة لأخيها سهم بين أمه وامرأته وعمه على اثني عشر تضربها في الأولى‏,‏ تكن من اثنين وسبعين والضرر في هذا القول على من يرت من أحد الميتين دون الآخر وينتفع به من يرث منهما ثلاثة إخوة من أبوين غرقوا‏,‏ ولهم أم وعصبة فقدر موت أحدهم أولا فلأمه السدس‏,‏ والباقي لأخويه فتصح من اثني عشر لكل واحد من أخويه خمسة‏,‏ بين أمه وعصبته على ثلاثة فتضربها في الأولى‏,‏ تكن ستة وثلاثين للأم من ميراث الأول السدس ستة ومما ورثه كل واحد من الأخوين خمسة‏,‏ فصار لها ستة عشر والباقي للعصبة ولها من ميراث كل واحد من الأخوين مثل ذلك ذكر هذه المسألة أبو بكر ثلاثة إخوة مفترقين غرقوا‏,‏ وخلف كل واحد منهم أخته لأبويه فقدر موت الأخ من الأبوين أولا عن أخته من أبويه وأخويه من أبيه‏,‏ وأخويه من أمه فصحت مسألته من ثمانية عشر لأخيه من أمه منها ثلاثة بين أخته من أبويه وأخته من أمه على أربعة وأصاب الأخ من الأب منها اثنين‏,‏ بين أخيه من أبويه وأخته من أبيه على أربعة‏,‏ فتجتزئ بإحداهما وتضربها في الأولى تكن اثنين وسبعين‏,‏ ثم قدر موت الأخ من الأم عن أخت لأبوين وأخ‏,‏ وأخت لأم فمسألته من خمسة مات أخوه لأمه عن ثلاث أخوات مفترقات فهي من خمسة أيضا‏,‏ تضربها في الأولى تكن خمسة وعشرين ثم قدر موت الأخ من الأب‏,‏ عن أخت لأبويه وأخ وأخت لأبيه فهي من ستة‏,‏ ثم مات الأخ من الأب عن ثلاث أخوات مفترقات فهي من خمسة تضربها في الأولى‏,‏ تكن ثلاثين فإن خلف بنتا وأخوين فلم يقتسموا التركة حتى غرق الأخوان وخلف أحدهما امرأة وبنتا وعما وخلف الآخر ابنتين‏,‏ وابنتين الأولى من أربعة مات أحدهم عن سهم ومسألته من ثمانية‏,‏ لأخيه منها ثلاثة بين أولاده على ستة رجعوا إلى اثنين تضربها في ثمانية تكن ستة عشر وفريضة الآخر من ستة‏,‏ يتفقان بالنصف فاضرب نصف إحداهما في الأخرى تكن ثمانية وأربعين‏,‏ ثم في أربعة تكن مائة واثنين وتسعين للبنت نصفها‏,‏ ولأولاد الأخ عن أبيهم ربعها وعن عمهم ثمانية عشر صار لهم ستة وستون‏,‏ ولامرأة الأخ ستة ولبنته أربعة وعشرون‏.‏

فصل‏:‏

وإن علم خروج روحهما معا في حال واحدة لم يرث أحدهما صاحبه‏,‏ وورث كل واحد الأحياء من ورثته لأن توريثه مشروط بحياته بعده وقد علم انتفاء ذلك وإن علم أن أحدهما مات قبل صاحبه بعينه ثم أشكل‏,‏ أعطى كل وارث اليقين ووقف الباقي حتى يتبين الأمر أو يصطلحوا قال القاضي‏:‏ وقياس المذهب أن يقسم على سبيل ميراث الغرقى الذين جهل حالهم وإن ادعى ورثة كل ميت أنه آخرهما موتا فهي مسألة الخرقي رضي الله عنه وقد نص فيها الإمام أحمد على أن ورثة كل ميت يحلفون‏,‏ ويختصون بميراثه فيحتمل أن يقاس على هذه الصورة سائر الصور فيتخرج في الجميع روايتان‏,‏ ويحتمل أن يختص هذا الحكم بهذه الصورة دون غيرها لأن هذه الصور فيها مدع ومنكر واليمين على من أنكر بخلاف بقية الصور‏,‏ والله أعلم‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ومن لم يرث لم يحجب‏]‏

يعني من لم يرث لمعنى فيه كالمخالف في الدين والرقيق‏,‏ والقاتل فهذا لا يحجب غيره في قول عامة أهل العلم من الصحابة‏,‏ والتابعين إلا ابن مسعود ومن وافقه‏,‏ فإنهم يحجبون الأم والزوجين بالولد الكافر والقاتل‏,‏ والرقيق ويحجبون الأم بالإخوة الذين هم كذلك وبه قال أبو ثور وداود وتابعه الحسن في القاتل دون غيره ولعلهم تمسكوا بعموم قوله تعالى‏:‏ ‏(‏‏(‏ فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم ‏)‏‏)‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏(‏‏(‏ ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد ‏)‏‏)‏ وقوله‏:‏ ‏(‏‏(‏ فإن كان له إخوة فلأمه السدس ‏)‏‏)‏ وهؤلاء أولاد وإخوة‏,‏ وعدم إرثهم لا يمنع حجبهم كالإخوة مع الأبوين يحجبون الأم ولا يرثون ولنا‏,‏ أنه ولد لا يحجب الإخوة من الأم ولا يحجب ولده ولا الأب إلى السدس‏,‏ فلم يحجب غيرهم كالميت ولأنه لا يؤثر في حجب غير الأم والزوجين‏,‏ فلم يؤثر في حجبهم كالميت والآية أريد بها ولد من أهل الميراث‏,‏ بدليل أنه لما قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين ‏)‏‏)‏ أراد به الوارث ولم يدخل هذا فيهم ولما قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت ‏)‏‏)‏ لم يدخل هذا فيهم وأما الإخوة مع الأب‏,‏ فهم من أهل الميراث بدليل أنه لولا الأب لورثوا وإنما قدم عليهم غيرهم‏,‏ ومنعوا مع أهليتهم لأن غيرهم أولى منهم فامتناع إرثهم لمانع لا لانتفاء المقتضى‏.‏

فصل‏:‏

فأما من لا يرث لحجب غيره له‏,‏ فإنه يحجب وإن لم يرث كالإخوة يحجبون الأم‏,‏ وهم محجوبون بالأب لأن عدم إرثهم لم يكن لمعنى فيهم ولا لانتفاء أهليتهم بل لتقديم غيرهم عليهم‏,‏ والمعنى الذي حجبوا به في حال إرثهم موجود مع حجبهم عن الميراث بخلاف مسألتنا فعلى هذا‏,‏ إذا اجتمع أبوان وأخوان أو أختان فللأم السدس والباقي للأب ويحجب الأخوان الأم عن السدس‏,‏ ولا يرثون شيئا ولو مات رجل وخلف أباه وأم أبيه وأم أم أمه لحجب الأب أمه عن الميراث‏,‏ وحجبت أمه أم أم الأم على قول من يحجب الجدة بابنها والبعدى من الجدات بمن هي أقرب منها‏,‏ ويكون المال جميعه للأب‏.‏

فصل‏:‏

في ميراث الحمل‏:‏ إذا مات الإنسان عن حمل يرثه وقف الأمر حتى يتبين فإن طالب الورثة بالقسمة‏,‏ لم يعطوا كل المال بغير خلاف إلا ما حكى عن داود‏,‏ والصحيح عنه مثل قول الجماعة ولكن يدفع إلى من لا ينقصه الحمل كمال ميراثه وإلى من ينقصه أقل ما يصيبه‏,‏ ولا يدفع إلى من يسقطه شيء فأما من يشاركه فأكثر أهل العلم قالوا‏:‏ يوقف للحمل شيء‏,‏ ويدفع إلى شركائه الباقي وبهذا قال أبو حنيفة وأصحابه والليث وشريك ويحيى بن آدم وهو رواية الربيع عن الشافعي والمشهور عنه أنه لا يدفع إلى شركائه شيء لأن الحمل لا حد له ولا نعلم كم يترك له وقد حكى الماوردي‏,‏ قال‏:‏ أخبرني رجل من أهل اليمن ورد طالبا للعلم وكان من أهل الدين والفضل‏,‏ أن امرأة ولدت باليمن شيئا كالكرش فظن أن لا ولد فيه فألقى على قارعة الطريق‏,‏ فلما طلعت الشمس وحمى بها تحرك فأخذ وشق فخرج منه سبعة أولاد ذكور‏,‏ وعاشوا جميعا وكانوا خلقا سويا إلا أنه كان في أعضادهم قصر‏,‏ قال‏:‏ وصارعني أحدهم فصرعني فكنت أعير به فيقال‏:‏ صرعك سبع رجل وقد أخبرني من أثق به سنة ثمان وستمائة‏,‏ أو سنة تسع عن ضرير بدمشق أنه قال‏:‏ ولدت امرأتى في هذه الأيام سبعة في بطن واحد ذكورا وإناثا‏,‏ وكان بدمشق أم ولد لبعض كبرائها وتزوجت بعده من كان يقرأ على وكانت تلد ثلاثة في كل بطن وقال غيره‏:‏ هذا نادر‏,‏ ولا يعول عليه فلا يجوز منع الميراث من أجله كما لو لم يظهر بالمرأة حمل واختلف القائلون بالوقف فيما يوقف‏,‏ فروى عن أحمد أنه يوقف نصيب ذكرين إن كان ميراثهما أكثر‏,‏ أو ابنتين إن كان نصيبهما أكثر وهذا قول محمد بن الحسن واللؤلؤى وقال شريك‏:‏ يوقف نصيب أربعة فإني رأيت بني إسماعيل أربعة ولدوا في بطن واحد‏,‏ محمد وعمر وعلى قال يحيى بن آدم‏:‏ وأظن الرابع إسماعيل وروى ابن المبارك هذا القول عن أبي حنيفة ورواه الربيع عن الشافعي رضي الله عنه وقال الليث‏,‏ وأبو يوسف‏:‏ يوقف نصيب غلام ويؤخذ ضمين من الورثة ولنا أن ولادة التوأمين كثير معتاد فلا يجوز قسم نصيبهما‏,‏ كالواحد وما زاد عليهما نادر فلم يوقف له شيء كالخامس‏,‏ والسادس ومتى ولدت المرأة من يرث الموقوف كله أخذه وإن بقي منه شيء رد إلى أهله‏,‏ وإن أعوز شيئا رجع على من هو في يده مسائل من ذلك‏:‏ امرأة حامل وبنت للمرأة الثمن وللبنت خمس الباقي وفي قول شريك تسعة وفي قول أبي يوسف ثلثه بضمين ولا يدفع إليها شيء في المشهور عن الشافعي رضي الله عنه وإن كان مكان البنت ابن دفع إليه ثلث الباقي‏,‏ أو خمسه أو نصفه على اختلاف الأقوال ومتى زادت الفروض على ثلث المال‏,‏ فميراث الإناث أكثر فإذا خلف أبوين وامرأة حاملا‏,‏ فللمرأة ثلاثة من سبعة وعشرين وللأبوين ثمانية منها ويوقف ستة عشر‏,‏ ويستوى ها هنا قول من وقف نصيب ابنتين وقول من وقف نصيب أربعة وقال أبو يوسف‏:‏ تعطى المرأة ثمنا كاملا والأبوان ثلثا كاملا‏,‏ ويؤخذ منهم ضمين فإن كان معهم بنت دفع إليها ثلاثة عشر من مائة وعشرين وفي قول شريك ثلاثة عشر من مائتين وستة عشر وفي قول أبي يوسف ثلاثة عشر من اثنين وسبعين‏,‏ ويؤخذ من الكل ضمناء من البنت لاحتمال أن يولد أكثر من واحد ومن الباقين لاحتمال أن تعول المسألة وعلى قولنا يوافق بين سبعة وعشرين ومائة وعشرين بالأثلاث وتضرب ثلث إحداهما في جميع الأخرى‏,‏ تكن ألفا وثمانين وتعطى البنت ثلاثة عشر في تسعة تكن مائة وسبعة عشر‏,‏ وللأبوين والمرأة أحد عشر في أربعين وما بقي فهو موقوف زوج وأم حامل من الأب المسألة من ثمانية للزوج ثلاثة‏,‏ وللأم سهم ويوقف أربعة وقال أبو يوسف‏:‏ هي من ثمانية يدفع إلى الزوج ثلاثة‏,‏ وإلى الأم سهمان وتقف ثلاثة وتأخذ منها ضمينا‏,‏ هكذا حكى الخبرى عنه فإن كان في المسألة من يسقط بولد الأبوين كعصبة أو أحد من ولد الأب‏,‏ لم يعط شيئا ولو كان في هذه المسألة جد فللزوج الثلث وللأم السدس‏,‏ وللجد السدس والباقي موقوف وقال أبو حنيفة‏:‏ للزوج النصف وللأم السدس وللجد السدس‏,‏ ويوقف السدس بين الجد والأم ولا شيء للحمل لأن الجد يسقطه وأبو يوسف يجعلها من سبعة وعشرين ويقف أربعة أسهم وحكى عن شريك‏,‏ أنه كان يقول بقول على في الجد فيقف ها هنا نصيب الإناث فيكون عنده من تسعة وتقف منها أربعة ولو لم يكن فيها زوج‏,‏ كان للأم السدس وللجد ثلث الباقي وتقف عشرة من ثمانية عشر وعند أبي حنيفة للجد الثلثان وللأم السدس‏,‏ ويوقف السدس بينهما قول أبي يوسف يقف الثلث ويعطى كل واحد منهما ثلثا‏,‏ ويؤخذ منهما ضمين ومتى خلف ورثة وأما تحت الزوج فينبغي للزوج الإمساك عن وطئها‏,‏ ليعلم أحامل هي أم لا‏؟‏ كذا روى عن على وعمر بن عبد العزيز والشعبي والنخعي‏,‏ وقتادة في آخرين وإن وطئها قبل استبرائها فأتت بولد لأقل من ستة أشهر‏,‏ ورث لأننا نعلم أنها كانت حاملا به وإن ولدته لأكثر من ذلك‏,‏ لم ترث إلا أن يقر الورثة أنها كانت حاملا به يوم موت ولدها‏.‏

فصل‏:‏

ولا يرث الحمل إلا بشرطين أحدهما أن يعلم أنه كان موجودا حال الموت‏,‏ ويعلم ذلك بأن تأتى به لأقل من ستة أشهر فإن أتت به لأكثر من ذلك نظرنا فإن كان لها زوج أو سيد يطؤها لم يرث‏,‏ إلا أن يقر الورثة أنه كان موجودا حال الموت وإن كانت لا توطأ إما لعدم الزوج‏,‏ أو السيد وإما لغيبتهما أو اجتنابهما الوطء‏,‏ عجزا أو قصدا أو غيره ورث ما لم يجاوز أكثر مدة الحمل وذلك أربع سنين في أصح الروايتين وفي الأخرى سنتان والثاني‏,‏ أن تضعه حيا فإن وضعته ميتا لم يرث في قولهم جميعا‏,‏ واختلف فيما يثبت به الميراث من الحياة واتفقوا على أنه إذا استهل صارخا ورث وورث وقد روى أبو داود بإسناده‏,‏ عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ إذا استهل المولود ورث ‏)‏‏)‏ وروى ابن ماجه بإسناده عن جابر‏,‏ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مثله واختلفوا فيما سوى الاستهلال فقالت طائفة‏:‏ لا يرث حتى يستهل ولا يقوم غيره مقامه‏,‏ ثم اختلفوا في الاستهلال ما هو‏؟‏ فقالت طائفة‏:‏ لا يرث حتى يستهل صارخا فالمشهور عن أحمد رضي الله عنه أنه لا يرث حتى يستهل وروى ذلك عن ابن عباس والحسن بن على وأبي هريرة‏,‏ وجابر وسعيد بن المسيب وعطاء‏,‏ وشريح والحسن وابن سيرين‏,‏ والنخعي والشعبي وربيعة‏,‏ ويحيى بن سعيد وأبي سلمة بن عبد الرحمن ومالك‏,‏ وأبي عبيد وإسحاق لأن مفهوم قول النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏‏(‏ إذا استهل المولود ورث ‏)‏‏)‏ أنه لا يرث بغير الاستهلال وفي لفظ ذكره ابن سراقة‏,‏ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال في الصبى المنفوس‏:‏ ‏(‏‏(‏ إذا وقع صارخا فاستهل ورث وتمت ديته وسمي‏,‏ وصلى عليه وإن وقع حيا ولم يستهل صارخا لم تتم ديته‏,‏ وفيه غرة عبد أو أمة على العاقلة ‏)‏‏)‏ ولأن الاستهلال لا يكون إلا من حي‏,‏ والحركة تكون من غير حي فإن اللحم يختلج سيما إذا خرج من مكان ضيق فتضامت أجزاؤه‏,‏ ثم خرج إلى مكان فسيح فإنه يتحرك من غير حياة فيه ثم إن كانت فيه حياة فلا نعلم كونها مستقرة لاحتمال أن تكون كحركة المذبوح‏,‏ فإن الحيوانات تتحرك بعد الذبح حركة شديدة وهي في حكم الميت واختلف في الاستهلال ما هو‏؟‏ فقيل‏:‏ هو الصراخ خاصة وهذا قول من ذكرنا في هذه المسألة ورواه أبو طالب‏,‏ عن أحمد فقال‏:‏ لا يرث إلا من استهل صارخا وإنما سمى الصراخ من الصبى الاستهلال تجوزا والأصل فيه أن الناس إذا رأوا الهلال صاحوا عند رؤيته‏,‏ واجتمعوا وأراه بعضهم بعضا فسمى الصوت عند استهلال الهلال استهلالا‏,‏ ثم سمى الصوت من الصبى المولود استهلالا لأنه صوت عند وجود شيء يجتمع له ويفرح به وروى يوسف بن موسى عن أحمد‏,‏ أنه قال‏:‏ يرث السقط ويورث إذا استهل فقيل له‏:‏ ما استهلاله‏؟‏ قال‏:‏ إذا صاح أو عطس أو بكى فعلى هذا كل صوت يوجد منه تعلم به حياته‏,‏ فهو استهلال وهذا قول الزهري والقاسم بن محمد لأنه صوت علمت به حياته فأشبه الصراخ وعن أحمد رواية ثالثة‏,‏ إذا علمت حياته بصوت أو حركة أو رضاع أو غيره ورث وثبت له أحكام المستهل‏,‏ لأنه حي فتثبت له أحكام الحياة كالمستهل وبهذا قال الثوري والأوزاعي‏,‏ والشافعي وأبو حنيفة وأصحابه‏,‏ وداود وإن خرج بعضه حيا فاستهل ثم انفصل باقيه ميتا لم يرث وبهذا قال الشافعي رضي الله عنه وقال أبو حنيفة‏,‏ وأصحابه‏:‏ إذا خرج أكثره فاستهل ثم مات ورث لقوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏‏(‏ إذا استهل المولود ورث ‏)‏‏)‏ ولنا أنه لم يخرج جميعه‏,‏ فأشبه ما لو مات قبل خروج أكثره‏.‏

فصل‏:‏

وإن ولدت توأمين فاستهل أحدهما ولم يعلم بعينه فإن كانا ذكرين‏,‏ أو أنثيين أو ذكرا وأنثى لا يختلف ميراثهما‏,‏ فلا فرق بينهما وإن كانا ذكرا وأنثى يختلف ميراثهما فقال القاضي‏:‏ من أصحابنا من قال‏:‏ يقرع بينهما‏,‏ فمن أخرجته القرعة جعل المستهل كما لو طلق إحدى نسائه فلم تعلم بعينها ثم مات أخرجت بالقرعة وقال الخبرى‏:‏ ليس في هذا عن السلف نص وقال الفرضيون‏:‏ تعمل المسألة على الحالين‏,‏ ويعطى كل وارث اليقين ويوقف الباقي حتى يصطلحوا عليه ويحتمل أن يقسم بينهم على حسب الاحتمال ومن مسائل ذلك‏:‏ رجل خلف أمه وأخاه وأم ولد حاملا منه فولدت توأمين‏,‏ ذكرا وأنثى فاستهل أحدهما ولم يعلم بعينه‏,‏ فقيل‏:‏ إن كان الابن المستهل فللأم السدس والباقي له ترث أمه‏,‏ ثلثه والباقي لعمه فاضرب ثلاثة في ستة‏,‏ تكن ثمانية عشر لأم الميت ثلاثة ولأم الولد خمسة‏,‏ وللعم عشرة وإن كانت البنت المستهلة فالمسألة من ستة فتموت البنت عن ثلاثة‏,‏ لأمها سهم ولعمها سهمان والستة تدخل في ثمانية عشر فمن له شيء من الثمانية عشر مضروب في واحد‏,‏ ومن له شيء من الستة مضروب في ثلاثة فسدس الأم لا يتغير وللعم من الستة أربعة في ثلاثة اثنا عشر‏,‏ وله من الثمانية عشر عشرة في واحد فهذا اليقين فيأخذه ولأم الولد خمسة في سهم‏,‏ وسهم في ثلاثة فيأخذها ويقف سهمين بين الأخ وأم الولد حتى يصطلحا عليها ويحتمل أن يقتسماها بينهما امرأة حامل وعم ولدت المرأة ابنا وبنتا‏,‏ واستهل أحدهما ولم يعلم فالمسألتان من أربعة وعشرين‏,‏ إذا أعطيت كل واحد أقل من نصيبه بقيت ثلاثة موقوفة فإن كان معهما بنت فكل واحدة من المسألتين من اثنين وسبعين‏,‏ والموقوف اثنا عشر امرأة وعم وأم حامل من الأب ولدت ابنا وبنتا فاستهل أحدهما‏,‏ فإن كان المستهل الأخ فهي من ستة وثلاثين وإن كانت الأخت المستهلة‏,‏ فهي من ثلاثة عشر فالمسألتان متباينتان فاضرب إحداهما في الأخرى‏,‏ تكن أربعمائة وثمانية وستين كل من له شيء من إحدى المسألتين مضروب في الأخرى‏,‏ فيدفع لكل واحد أقل النصيبين يبقى أربعة عشر منها تسعة بين المرأة والعم‏,‏ وخمسة بين الأم والعم فإن كانت المرأة والأم حاملين فوضعتا معا فاستهل أحدهما‏,‏ فكل واحدة منهما ترجع إلى ستة وثلاثين فيعطى كل وارث أقل النصيبين ويبقى أحد عشر‏,‏ منها أربعة موقوفة بين الزوجة والأم وسبعة بين الأم والعم‏.‏

فصل‏:‏

وإذا ولدت الحامل توأمين فسمع الاستهلال من أحدهما‏,‏ ثم سمع مرة أخرى فلم يدر أهو من الأول أو من الثاني‏,‏ فيحتمل أن يثبت الميراث لمن علم استهلاله دون من شككنا فيه لأن الأصل عدم استهلاله فعلى هذا الاحتمال إن علم المستهل بعينه فهو الوارث وحده‏,‏ وإن جهل عينه كان كما لو استهل واحد منهما لا بعينه وقال الفرضيون‏:‏ يعمل على الأحوال فيعطى كل وارث اليقين‏,‏ ويوقف الباقي ومن مسائل ذلك‏:‏ أم حامل وأخت لأب وعم ولدت الأم بنتين فاستهلت إحداهما‏,‏ ثم سمع الاستهلال مرة أخرى فلم يدر هل استهلت الأخرى أو تكرر من واحدة‏؟‏ فقيل‏:‏ إن كان منهما جميعا‏,‏ فقد ماتتا عن أربعة من ستة ولا يعلم أولهما موتا فحكمهما حكم الغرقى‏,‏ فمن ذهب إلى أنه لا تورث إحداهما من الأخرى قال‏:‏ قد خلفتا أما وأختا وعما فتصح من ثمانية عشر‏,‏ وإن كان الاستهلال من واحدة فقد ماتت عن ثلاثة من ستة فتصح من اثني عشر وبينهما موافقة بالسدس فتصير ستة وثلاثين‏,‏ للأم اثنا عشر وللأخت كذلك وللعم تسعة ونقف ثلاثة‏,‏ تدعى الأم منها سهمين والعم سهما وتدعيها الأخت كلها‏,‏ فيكون سهمان بينها وبين الأم وسهم بينها وبين العم زوج وجد وأم حامل ولدت ابنا‏,‏ وبنتا فاستهل أحدهما ثم سمع الاستهلال مرة أخرى‏,‏ فلم يدر ممن هو‏؟‏ فإن كان الاستهلال تكرر من البنت فهي الأكدرية وماتت عن أربعة‏,‏ بين أمها وجدها فتصح من أحد وثمانين وإن تكرر من الأخ لم يرث شيئا‏,‏ والمسألة من ستة للجد منها سهم وإن كان منهما‏,‏ فللأم السدس وللزوج النصف وللجد السدس‏,‏ ولهما السدس على ثلاثة فتصح من ثمانية عشر والثلاثة التي لهما بين الجد والأم على ثلاثة فصار للأم أربعة‏,‏ وللجد خمسة وثمانية عشر توافق أحدا وثمانية بالأتساع فتصير مائة واثنين وستين‏,‏ للزوج حقه من الأكدرية أربعة وخمسون وللأم تسعا المال من مسألة استهلالهما معا ستة وثلاثون‏,‏ وللجد السدس من مسألة استهلال الأخ وحده سبعة وعشرون يبقى خمسة وأربعون‏,‏ يدعى الزوج منها سبعة وعشرين والأم ثمانية عشر ويدعى منها الجد سبعة وثلاثين‏,‏ وتعول الثمانية الفاضلة للأم فيحتمل أن تدفع إليها لأن الزوج والجد يقران لها بها‏.‏

فصل‏:‏

وإذا ضرب بطن حامل فأسقطت فعلى الضارب غرة موروثة عن الجنين‏,‏ كأنه سقط حيا وبهذا قال مالك وأبو حنيفة والشافعي‏,‏ وسائر الفقهاء إلا شيئا يحكى عن ربيعة والليث‏,‏ وهو شذوذ لا يعرج عليه فإن قيل‏:‏ فكيف تورثون منه وهو لا يرث‏؟‏ قلنا‏:‏ نورث منه لأن الواجب بدل عنه فورثته ورثته‏,‏ كدية غير الجنين وأما توريثه فمن شروطه كونه حيا حين موت موروثه ولا يتحقق ذلك‏,‏ فلا نورثه مع الشك في حياته‏.‏

فصل‏:‏

ودية المقتول موروثة عنه كسائر أمواله إلا أنه اختلف فيها عن علي‏,‏ فروى عنه مثل قول الجماعة وعنه لا يرثها إلا عصباته الذين يعقلون عنه وكان عمر يذهب إلى هذا ثم رجع عنه‏,‏ لما بلغه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- توريث المرأة من دية زوجها قال سعيد حدثنا سفيان حدثنا الزهري‏,‏ سمع سعيد بن المسيب يقول‏:‏ كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول‏:‏ الدية للعاقلة ولا ترث المرأة من دية زوجها شيئا ‏(‏‏(‏ فقال له الضحاك الكلأبي‏:‏ كتب إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن أورث امرأة أشيم الضبأبي من دية زوجها أشيم ‏)‏‏)‏ قال الترمذي‏:‏ هذا حديث حسن صحيح وروى الإمام أحمد بإسناده‏,‏ عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده‏,‏ أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ‏(‏‏(‏ قضى إن العقل ميراث بين ورثة القتيل على فرائضهم ‏)‏‏)‏ وبإسناده عن ابن عباس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ المرأة ترث من مال زوجها وعقله ويرث هو من مالها وعقلها ما لم يقتل واحد منهما صاحبه ‏)‏‏)‏ إلا أن في إسناده رجلا مجهولا وقال إبراهيم‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏‏(‏ الدية على الميراث‏,‏ والعقل على العصبة ‏)‏‏)‏ وقال أبو ثور‏:‏ هي على الميراث ولا تقضى منها ديونه ولا تنفذ منها وصاياه وعن أحمد نحو من هذا وقد ذكر الخرقي في من أوصى بثلث ماله لرجل‏,‏ فقتل وأخذت ديته فللموصى له بالثلث ثلث الدية‏,‏ في إحدى الروايتين والأخرى ليس لمن أوصى له بالثلث من الدية شيء ومبنى هذا على أن الدية ملك الميت‏,‏ أو على ملك الورثة ابتداء‏؟‏ وفيه روايتان إحداهما أنها تحدث على ملك الميت لأنها بدل نفسه فيكون بدلها له‏,‏ كدية أطرافه المقطوعة منه في الحياة ولأنه لو أسقطها عن القاتل بعد جرحه إياه كان صحيحا وليس له إسقاط حق الورثة‏,‏ ولأنها مال موروث فأشبهت سائر أمواله والأخرى أنها تحدث على ملك الورثة ابتداء لأنها إنما تستحق بعد الموت وبالموت تزول أملاك الميت الثابتة له‏,‏ ويخرج عن أن يكون أهلا للملك وإنما يثبت الملك لورثته ابتداء ولا أعلم خلافا في أن الميت يجهز منها إن كان قبل تجهيزه لأنه لو لم يكن له شيء‏,‏ لوجب تجهيزه على من عليه نفقته لو كان فقيرا فأولى أن يجب ذلك في ديته‏.‏

فصل‏:‏

في ميراث المفقود وهو نوعان أحدهما‏,‏ الغالب من حاله الهلاك وهو من يفقد في مهلكة كالذي يفقد بين الصفين‏,‏ وقد هلك جماعة أو في مركب انكسر فغرق بعض أهله‏,‏ أو في مفازة يهلك فيها الناس أو يفقد من بين أهله أو يخرج لصلاة العشاء أو غيرها من الصلوات أو لحاجة قريبة‏,‏ فلا يرجع ولا يعلم خبره فهذا ينتظر به أربع سنين‏,‏ فإن لم يظهر له خبر قسم ماله واعتدت امرأته عدة الوفاة‏,‏ وحلت للأزواج نص عليه الإمام أحمد وهذا اختيار أبي بكر وذكر القاضي أنه لا يقسم ماله حتى تمضى عدة الوفاة بعد الأربع سنين لأنه الوقت الذي يباح لامرأته التزوج فيه والأول أصح لأن العدة إنما تكون بعد الوفاة‏,‏ فإذا حكم بوفاته فلا وجه للوقوف عن قسم ماله وإن مات للمفقود من يرثه قبل الحكم بوفاته وقف للمفقود نصيبه من ميراثه وما يشك في مستحقه‏,‏ وقسم باقيه فإن بان حيا أخذه ورد الفضل إلى أهله‏,‏ وإن علم أنه مات بعد موت موروثه دفع نصيبه مع ماله إلى ورثته وإن علم أنه كان ميتا حين موت موروثه رد الموقوف إلى ورثة الأول‏,‏ وإن مضت المدة ولم يعلم خبره رد أيضا إلى ورثة الأول لأنه مشكوك في حياته حين موت موروثه‏,‏ فلا نورثه مع الشك كالجنين الذي يسقط ميتا وكذلك إن علمنا أنه مات‏,‏ ولم يدر متى مات ولم يفرق سائر أهل العلم بين هذه الصورة وبين سائر صور الفقدان فيما علمنا إلا أن مالكا والشافعي رضي الله عنهما‏,‏ في القديم وافقا في الزوجة أنها تتزوج خاصة والأظهر من مذهبه مثل قول الباقين فأما ماله فاتفقوا على أنه لا يقسم حتى تمضى مدة لا يعيش في مثلها‏,‏ على ما سنذكره في الصورة الأخرى -إن شاء الله تعالى- لأنه مفقود لا يتحقق موته فأشبه التاجر والسائح ولنا‏,‏ اتفاق الصحابة رضي الله عنهم على تزويج امرأته على ما ذكرناه في العدد وإذا ثبت ذلك في النكاح مع الاحتياط للأبضاع ففي المال أولى ولأن الظاهر هلاكه‏,‏ فأشبه ما لو مضت مدة لا يعيش في مثلها النوع الثاني من ليس الغالب هلاكه كالمسافر لتجارة‏,‏ أو طلب علم أو سياحة ونحو ذلك‏,‏ ولم يعلم خبره ففيه روايتان إحداهما لا يقسم ماله ولا تتزوج امرأته‏,‏ حتى يتيقن موته أو يمضى عليه مدة لا يعيش مثلها وذلك مردود إلى اجتهاد الحاكم وهذا قول الشافعي رضي الله عنه ومحمد بن الحسن‏,‏ وهو المشهور عن مالك وأبي حنيفة وأبي يوسف لأن الأصل حياته‏,‏ والتقدير لا يصار إليه إلا بتوقيف ولا توقيف ها هنا فوجب التوقف عنه والرواية الثانية‏,‏ أنه ينتظر به تمام تسعين سنة مع سنة يوم فقد وهذا قول عبد الملك بن الماجشون لأن الغالب أنه لا يعيش أكثر من هذا وقال عبد الله بن عبد الحكم‏:‏ ينتظر به إلى تمام سبعين سنة مع سنة يوم فقد ولعله يحتج بقول النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏‏(‏ أعمار أمتى ما بين السبعين والستين ‏)‏‏)‏ أو كما قال ولأن الغالب أنه لا يعيش أكثر من هذا فأشبه التسعين وقال الحسن بن زياد‏:‏ ينتظر به تمام مائة وعشرين سنة قال‏:‏ ولو فقد وهو ابن ستين سنة وله مال‏,‏ لم يقسم ماله حتى يمضى عليه ستون سنة أخرى فيكون له مع سنة يوم فقد مائة وعشرون سنة فيقسم ماله حينئذ بين ورثته إن كانوا أحياء‏,‏ وإن مات بعض ورثته قبل مضى مائة وعشرين وخلف ورثة لم يكن لهم شيء من مال المفقود وكان ماله للأحياء من ورثته‏,‏ ويوقف للمفقود حصته من مال موروثه الذي مات في مدة الانتظار فإن مضت المدة ولم يعلم خبر المفقود رد الموقوف إلى ورثة موروث المفقود ولم يكن لورثة المفقود قال اللؤلؤى‏:‏ وهذا قول أبي يوسف وحكى الخبرى عن اللؤلؤى أنه قال‏:‏ إن الموقوف للمفقود‏,‏ وإن لم يعلم خبره يكون لورثته قال‏:‏ وهو الصحيح عندي والذي ذكرناه هو الذي حكاه ابن اللبان عن اللؤلؤى فقال‏:‏ لو ماتت امرأة المفقود قبل تمام مائة وعشرين سنة بيوم‏,‏ أو بعد فقده بيوم وتمت مائة وعشرون سنة لم تورث منه شيئا‏,‏ ولم نورثه منها لأننا لا نعلم أيهما مات أولا وهذا قياس قول من قال في الغرقى‏:‏ إنه لا يورث أحدهم من صاحبه ويرث كل واحد الأحياء من ورثته قال القاضي‏:‏ هذا قياس قول أحمد واتفق الفقهاء على أنه لا يرث المفقود إلا الأحياء من ورثته يوم قسم ماله لا من مات قبل ذلك‏,‏ ولو بيوم واختلفوا في من مات وفي ورثته مفقود فمذهب أحمد وأكثر الفقهاء على أنه يعطى كل وارث من ورثته اليقين ويوقف الباقي حتى يتبين أمره‏,‏ أو تمضى مدة الانتظار فتعمل المسألة على أنه حي ثم على أنه ميت‏,‏ وتضرب إحداهما في الأخرى إن تباينتا أو في وقفهما إن اتفقتا وتجتزئ إحداهما إن تماثلتا‏,‏ أو بأكثرهما إن تناسبتا وتعطى كل واحد أقل النصيبين ومن لا يرث إلا من أحدهما لا تعطيه شيئا‏,‏ وتقف الباقي ولهم أن يصطلحوا على ما زاد على نصيب المفقود واختاره ابن اللبان لأنه لا يخرج عنهم وأنكر ذلك الونى وقال‏:‏ لا فائدة في أن ينقص بعض الورثة عما يستحقه في مسألة الحياة‏,‏ وهي متيقنة ثم يقال له‏:‏ لك أن تصالح على بعضه بل إن جاز ذلك فالأولى أن نقسم المسألة على تقدير الحياة‏,‏ ونقف نصيب المفقود لا غير والأول أصح -إن شاء الله تعالى- فإن الزائد عن نصيب المفقود من الموقوف مشكوك في مستحقه ويقين الحياة معارض بظهور الموت‏,‏ فينبغي أن يورث كالزائد عن اليقين في مسائل الحمل والاستهلال ويجوز للورثة الموجودين الصلح عليه لأنه حقهم لا يخرج عنهم‏,‏ وإباحة الصلح عليه لا تمنع وجوب وقفه كما تقدم في نظائره ووجوب وقفه لا يمنع الصلح عليه لذلك‏,‏ ولأن تجويز أخذ الإنسان حق غيره برضاه وصلحه لا يلزم منه جواز أخذه بغير إذنه وظاهر قول الونى هذا أن تقسم المسألة على أنه حي ويقف نصيبه لا غير وقال بعض أصحاب الشافعي رضي الله عنه‏:‏ يقسم المال على الموجودين لأنهم متحققون‏,‏ والمفقود مشكوك فيه فلا يورث مع الشك وقال محمد بن الحسن‏:‏ القول قول من المال في يده فلو مات رجل‏,‏ وخلف ابنتيه وابن ابن أبوه مفقود‏,‏ والمال في يد الابنتين فاختصموا إلى القاضي فإنه لا ينبغي للقاضي أن يحول المال عن موضعه‏,‏ ولا يقف منه شيئا سواء اعترفت الابنتان بفقده أو ادعتا موته وإن كان المال في يد ابن المفقود‏,‏ لم يعط الابنتان إلا النصف أقل ما يكون لهما وإن كان المال في يد أجنبى فأقر بأن الابن مفقود‏,‏ وقف له النصف في يديه وإن قال الأجنبى‏:‏ قد مات المفقود لزمه دفع الثلثين إلى البنتين‏,‏ ويوقف الثلث إلا أن يقر ابن الابن بموت أبيه فيدفع إليه الباقي والجمهور على القول الأول ومن مسائل ذلك‏:‏ زوج وأم وأخت وجد وأخ مفقود‏,‏ مسألة الموت من سبعة وعشرين لأنها مسألة الأكدرية ومسألة الحياة من ثمانية عشر‏,‏ وهما يتفقان بالأتساع فتضرب تسع إحداهما في الأخرى تكن أربعة وخمسين‏,‏ للزوج النصف من مسألة الحياة والثلث من مسألة الموت فيعطى الثلث‏,‏ وللأم التسعان من مسألة الموت والسدس من مسألة الحياة فتعطى السدس‏,‏ وللجد ستة عشر سهما من مسألة الموت وتسعة من مسألة الحياة فيأخذ التسعة‏,‏ وللأخت ثمانية من مسألة الموت وثلاثة من مسألة الحياة فتأخذ ثلاثة‏,‏ ويبقى خمسة عشر موقوفة إن بان أن الأخ حي وأخذ ستة‏,‏ وأخذ الزوج تسعة وإن بان ميتا أو مضت المدة قبل قدومه‏,‏ أخذت الأم ثلاثة والأخت خمسة والجد سبعة واختار الخبرى أن المدة إذا مضت‏,‏ ولم يتبين أمره أن يقسم نصيبه من الموقوف على ورثته فإنه كان محكوما بحياته لأنها اليقين‏,‏ وإنما حكمنا بموته بمضى المدة ولنا أنه مال موقوف لمن ينتظر ممن لا يعلم حاله فإذا لم تتبين حياته‏,‏ لم يكن لورثته كالموقوف للحمل وللمورثة أن يصطلحوا على التسعة قبل مضى المدة زوج وأبوان وابنتان مفقودتان مسألة حياتهما من خمسة عشر‏,‏ وفي حياة إحداهما من ثلاثة عشر وفي موتهما من ستة فتضرب ثلث الستة في خمسة عشر‏,‏ ثم في ثلاثة عشر تكن ثلاثمائة وتسعين ثم تعطى الزوج والأبوين حقوقهم من مسألة الحياة مضروبا في اثنين‏,‏ ثم في ثلاثة عشر وتقف الباقي وإن كان في المسألة ثلاثة مفقودون عملت لهم أربع مسائل وإن كانوا أربعة عملت لهم مسائل وعلى هذا وإن كان المفقود يحجب ولا يرث‏,‏ كزوج وأخت من أبوين وأخت من أب وأخ لها مفقود وقفت السبع بينهما وبين الزوج والأخت من الأبوين وقيل‏:‏ لا يوقف ها هنا شيء وتعطى الأخت من الأب السبع لأنها لا تحجب بالشك‏,‏ كما لا ترث بالشك والأول أصح لأن دفع السبع إليها توريث بالشك وليس في الوقف حجب يقينا إنما هو توقف عن صرف المال إلى إحدى الجهتين المشكوك فيها ويعارض قول هذا القائل قول من قال‏:‏ إن اليقين حياته‏,‏ فيعمل على أنه حي ويدفع المال إلى الزوج والأخت من الأبوين والتوسط بما ذكرناه أولى والله أعلم‏.‏

فصل‏:‏

والأسير كالمفقود إذا انقطع خبره وإن علمت حياته‏,‏ ورث في قول الجمهور وحكى عن سعيد بن المسيب أنه لا يرث لأنه عبد وحكى ذلك عن النخعي‏,‏ وقتادة والصحيح الأول والكفار لا يملكون الأحرار والله أعلم‏.‏

فصل‏:‏

في التزويج في المرض والصحة حكم النكاح في المرض والصحة سواء في صحة العقد وتوريث كل واحد منهما من صاحبه في قول الجمهور وبه قال أبو حنيفة‏,‏ والشافعي رضي الله عنهما وقال مالك‏:‏ أي الزوجين كان مريضا مرضا مخوفا حال عقد النكاح فالنكاح فاسد لا يتوارثان به إلا أن يصيبها فيكون لها المسمى في ثلاثة مقدما على الوصية وعن الزهري‏,‏ ويحيى بن سعيد مثله واختلف أصحاب مالك في نكاح من لم يرث كالأمة والذمية فقال بعضهم‏:‏ يصح لأنه لا يتهم بقصد توريثها ومنهم من أبطله لجواز أن تكون وارثة وقال ربيعة‏,‏ وابن أبي ليلى‏:‏ الصداق والميراث من الثلث وقال الأوزاعي‏:‏ النكاح صحيح ولا ميراث بينهما وعن القاسم بن محمد والحسن‏:‏ إن قصد الإضرار بورثته فالنكاح باطل‏,‏ وإلا فهو صحيح ولنا أنه عقد معاوضة يصح في الصحة فيصح في المرض كالبيع‏,‏ ولأنه نكاح صدر من أهله في محله بشرطه فيصح كحال الصحة وقد روينا أن عبد الرحمن بن أم الحكم تزوج في مرضه ثلاث نسوة‏,‏ أصدق كل واحدة ألفا ليضيق بهن على امرأته ويشركنها في ميراثها فأجيز ذلك وإذا ثبت صحة النكاح‏,‏ ثبت الميراث بعموم الآية‏.‏

فصل‏:‏

ولا فرق في ميراث الزوجين بين ما قبل الدخول وبعده لعموم الآية ولأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قضى لبروع بنت واشق بالميراث وكان زوجها مات عنها قبل أن يدخل بها‏,‏ ولم يفرض لها صداقا ولأن النكاح صحيح ثابت فيورث به كما بعد الدخول‏.‏

فصل‏:‏

فأما النكاح الفاسد‏,‏ فلا يثبت به التوارث بين الزوجين لأنه ليس بنكاح شرعي وإذا اشتبه من نكاحها فاسد بمن نكاحها صحيح فالمنقول عن أحمد أنه قال في من تزوج أختين‏,‏ لا يدرى أيتهما تزوج أول‏:‏ فإنه يفرق بينهما وتوقف عن أن يقول في الصداق شيئا قال أبو بكر‏:‏ يتوجه على قوله أن يقرع بينهما فعلى هذا الوجه يقرع بينهما في الميراث إذا مات عنهما وعن النخعي والشعبي ما يدل على أن المهر والميراث يقسم بينهن على حسب الدعاوى والتنزيل‏,‏ كميراث الخناثى وهو قول أبي حنيفة وأصحابه وقال الشافعي رضي الله عنه‏:‏ يوقف المشكوك فيه من ذلك حتى يصطلحن عليه أو يتبين الأمر فلو تزوج امرأة في عقد وأربعا في عقد‏,‏ ثم مات وخلف أخا ولم يعلم أي العقدين سبق‏,‏ ففي قول أبي حنيفة كل واحدة تدعى مهرا كاملا ينكره الأخ فتعطى كل واحدة نصف مهر‏,‏ ويؤخذ ربع الباقي تدعيه الواحدة والأربع فيقسم للواحدة نصفه وللأربع نصفه وعند الشافعي رضي الله عنه أكثر ما يجب عليه أربعة مهور فيأخذ ذلك‏,‏ يوقف منها مهر بين النساء الخمس ويبقى ثلاثة تدعى الواحدة ربعها ميراثا ويدعى الأخ ثلاثة أرباعها‏,‏ فيوقف منها ثلاثة أرباع مهر بين النساء الخمس وباقيها وهو مهران وربع بين الأربع وبين الأخ ثم يؤخذ ربع ما بقي‏,‏ فيوقف بين النساء الخمس والباقي للأخ وإن تزوج امرأة في عقد واثنتين في عقد وثلاثا في عقد‏,‏ ولم يعلم السابق فالواحدة نكاحها صحيح فلها مهرها‏,‏ ويبقى الشك في الخمس فعلى قول أهل العراق لهن مهران بيقين والثالث لهن في حال دون حال فيكون لهن نصفه‏,‏ ثم يقسم ذلك بينهن لكل واحدة نصف مهر ثم يؤخذ ربع الباقي لهن ميراثا فللواحدة ربعه يقينا‏,‏ وتدعى نصف سدسه فتعطى نصفه فيصير لها من الربع سدسه وثمنه‏,‏ وذلك سبعة من أربعة وعشرين والاثنتان تدعيان ثلثيه وهو ستة عشر سهما‏,‏ فيعطين نصفه وهو ثمانية أسهم والثلاث يدعين ثلاثة أرباعه‏,‏ وهو ثمانية عشر سهما فيعطين تسعه هذا قول محمد بن الحسن وعلى قول أبي حنيفة وأبي يوسف تقسم السبعة عشر بين الثلاث والاثنتين نصفين فيصير الربع من ثمانية وأربعين سهما‏,‏ ثم تضرب الاثنين في الثلاث ثم في الثمانية والأربعين تكن مائتين وثمانية وثمانين‏,‏ فهذا ربع المال وعند الشافعي رضي الله عنه تعطى الواحدة مهرها ويوقف ثلاثة مهور مهران منها بين الخمس ومهر تدعيه الواحدة‏,‏ والاثنتان ربعه ميراثا وتدعيه الثلاث مهرا وثلاثة أرباعه تدعيه الأخرى ميراثا وتدعيه الثلاث مهرا ويؤخذ ربع ما بقي فيدفع ربعه إلى الواحدة‏,‏ ونصف سدسه بين الواحدة والثلاث موقوف وثلثاه بين الثلاث والاثنتين موقوف فإن طلبت واحدة من الخمس شيئا من الميراث الموقوف‏,‏ لم يدفع إليها شيء وكذلك إن طلبه أحد الفريقين لم يدفع إليه شيء وإن طلبت واحدة من الثلاث‏,‏ وواحدة من الاثنتين دفع إليهما ربع الميراث وإن طلبته واحدة من الاثنتين واثنتان من الثلاث‏,‏ أو الثلاث كلهن دفع إليهن ثلثه وإن عين الزوج المنكوحات أولا قبل تعيينه وثبت وإن وطئ واحدة منهن‏,‏ لم يكن ذلك تعيينا لها وهذا قول الشافعي رضي الله عنه وللموطوءة الأقل من المسمى أو مهر المثل فيكون الفضل بينهما موقوفا وعلى قول أهل العراق يكون تعيينا‏,‏ فإن كانت الموطوءة من الاثنتين صح نكاحها وبطل نكاح الثلاث‏,‏ وإن كانت من الثلاث بطل نكاح الاثنتين وإن وطئ واحدة من الاثنتين وواحدة من الثلاث‏,‏ صح نكاح الفريق المبدوء بوطء واحدة منه وللموطوءة التي لم يصح نكاحها مهر مثلها فإن أشكل أيضا أخذ منه اليقين‏,‏ وهو مهران مسميان ومهر مثل ويبقى مهر مسمى تدعيه النسوة وينكره الأخ‏,‏ فيقسم بينهما فيحصل للنسوة مهر مثل ومسميان ونصف منها مهر مسمى‏,‏ ومهر مثل يقسم بين الموطوءتين نصفين ويبقى مسمى ونصف بين الثلاث الباقيات لكل واحدة نصف مسمى‏,‏ والميراث على ما تقدم وعند الشافعي لا حكم للوطء في التعيين وهل يقوم تعيين الوارث مقام تعيين الزوج‏؟‏ فيه قولان فعلى قوله‏,‏ يؤخذ مسمى ومهر مثل للموطوءتين تعطى كل واحدة الأقل من المسمى أو مهر المثل ويقف الفضل بينهما‏,‏ ويبقى مسميان ونصف يقف أحدهما بين الثلاث اللاتى لم يوطأن وآخر بين الثلاث والاثنتين‏,‏ والميراث على ما تقدم وحكى عن الشعبي والنخعي في من له أربع نسوة أبت طلاق إحداهن ثم نكح خامسة‏,‏ ومات ولم يدر أيتهن طلق فللخامسة ربع الميراث وللأربع ثلاثة أرباعه بينهن وهذا مذهب أبي حنيفة إذا كان نكاح الخامسة بعد انقضاء عدة المطلقة ولو أنه قال بعد نكاح الخامسة‏:‏ إحدى نسائى طالق ثم نكح سادسة‏,‏ ثم مات قبل أن يبين فللسادسة ربع الميراث وللخامسة ربع ثلاثة أرباع الباقي‏,‏ وما بقي بين الأربع الأول أرباعا وفي قول الشافعي رضي الله عنه ما أشكل من ذلك موقوف على ما تقدم‏.‏